عراق

(حكاية الأيام) بقلم :- وجدي نيازالدين أكبر

70)


أحداث الدهر حين وقوعها تتلقفها الألسنة وتنشرها بكافة الوسائل المتاحة في أوانها بحيث كل الناس يكون على دراية منها، بعد مرور فترة عليها تنقلب الى أحاديث تروى للأجيال القادمة التي كانت غائبة عنها، كل حدث الذي يحدث يتألم فقط المفجوعين منه لأن النار لاتحرق الا البقعة التي تقع عليها تيمنا بالقول التركماني المؤثر (آتاش دوشتغي يري يانديري) ، كل الذي يحدث مهما يبقى محفوظا في ذاكرة الناس لابد يأتي يوم يبدي في الأفق حتى لو بعد قرن من الزمن ، منذ صباي كنت أسمع بالذين فقدوا أرواحهم خلال الحرب العالمية الأولى (سفر برليك) ولكن ما كنت أعرف تفاصيل الموضوع ، ذات مساء كنت واقفا مع الأستاذ عصمت باشا رحمه الله الذي كان من هواة الأدب تحدث عن أحد الجنود المشاركين في الحرب التي ذكرتها أعلاه (سفر برليك) المسمى شكور خليل ابراهيم محمد سمين البياتي من سكنة كوجك بازار الذي ودع زوجته المسماة (زهوة خورشيد) وهي حامل في الأشهر الأولى وهما كانا حديثان في زواجهما برباعية تركمانية وهو يتأوه من ألم الفراق قائلا:-
مه ن قره آتيم قره
گيديره م سفر بره
گيديره م داها دونمه م
يغلاسين باختي قره
مؤداها باللغة العربية:-
أنا أسود فرسي سوداء
أنا ذاهب الى سفر بر
أنا ذاهب لارجعة لي منها
فلتبكي حظها الأسود
شكور خليل مشاركته للحرب ليست بمحض ارادته بل كان مكرها  من قبل الدولة العثمانية بقرار النفير العام ووقعت خدمته الالزامية على جبهة (جناق قلعة) وهي أشد الجبهات ضراوة بحيث الذي يخدم فيها لاينجو من الموت المحقق وأخيرا شكور صار من شهداء (جناق قلعة) ولم يعود ثانيا الى أهله وبعد عدة أشهر امرأته رزقت بطفل ذكر سمته (عسكر) نسبة للحدث الذي راح به زوجها ضحية عسكرة الدولة العثمانية فبقيت عينا أم عسكر والرضيع(عسكر) تنتظر قدوم راعي بيتهم من السفر المشؤوم حتى أصابهما اليأس من رجوعه مرة أخرى فصار عسكر يتيما بلاهوادة فمرت عليهما ظروفا قاهرة وضائقة مالية ولايجدا أحدا يؤيهما وينفق عليهما فأضطرت الوالدة أن تتزوج لأبن عمها الأرمل(علي جاسم) بدل أختها المتوفية فأخذت معها ولدها الوحيد (عسكر) ليتربى في كنفها ولما بلغ عسكر رشده أرغم أن يتطوع للجيش العراقي ليكون مصدر رزقه في نهاية ثلاثينيات القرن الماضي وهو من مواليد1917م تزوج من بنت عمها عطية ملا حسين  التي كانت تكبره عشر سنوات هي من مواليد 1907م وذلك للحفاظ على العقارالذي يورثها عمه الملا حسين ، رزق عسكر من عطية بنتين :- فضيلة التي تزوجها نوري أحمد آق صو والأخرى باكيزة التي تزوجها ابن خالتها محمود مجيد عباس ، عسكر من أول زواجه صار من سكنة كركوك منطقة القلعة بعد زواج بنتي عسكر أخذ يهجس فراغا في منزله فقرر أن يتزوج المرة الثانية من الآنسة كريمة نامق بياتلي من أصل قضاء كفري وهي أخت كل من المصور المشهور في كركوك فضلي والمصور مكرم والشاعر الكاتب معتصم نامق صلاحية والأستاذ التربوي مظفر نامق ورزق منها عسكر ولدين هما:-
1- شادان وهوكاسب وشاعر في آن واحد
2- شانلي هو صاحب مكتب بركات لاصدار جوازات السفر في كركوك
وبنتين هما:-
1- ايمان گول متزوجة هي ربة بيت وشاعرة لقبها الأدبي بهار كفرلي
2- أسيل كذلك متزوجة ربة بيت ورسامة ماهرة
عسكر كان يجدد خدمته العسكرية كل سنتين حتى ارتقت رتبته الى نائب ضابط درجة ممتازة في نهاية الخمسينيات من القرن المنصرم ، ترك عسكر الخدمة العسكرية وعمل موظفا في التعقيم في الوقاية الزراعية يتلوه ترك الوظيفة وفتح معرضا لبيع الأحذية الايطالية من شركة دبلوق حتى وافاه الأجل المحتوم نهاية عام1969م ، عسكر أول مسكنه مع زوجتيه كان بايجار في القلعة ثم حاز على قطعة أرض سكنية من الحكومة في منطقة قصاب خانة/كركوك فبنى عليها دارا فصارت مأوى لهم ، بعد رحيل عسكر عسرت الحالة المادية لعائلته فقامت زوجته بتأجير منزلهم من عام1975م الى الناس ورجعت هي وأولادها الى مأمنها الأصلي في كفري وعادوا الى كركوك بعد ماتحسن وضعهم الأقتصادي عام 1988م ، ماكنت أعرف عسكر شخصيا ولم أره حتى بالحلم رغم كانت تربطنا رابطة القرابة ، في أحد الأيام كنت جالسا مع الشاعر علي معروف أوغلو رحمه الله أفادني أن عسكر شكور كان شاعرا ألقا وحسب درايتي بنفسية علي معروف أوغلو انه لاينعت أحدا صفة الشاعر ان لم يكن ملما بالشعر والأدب وكتمت هذا النبأ في قلبي وبدأت أبحث عن وسيلة لأصل الى ولدي عسكر وبعد سنين وشهور وبمساعدة الأدباء كل من يلماز باغوان وتوركيش طوزلو وعدنان عساف أوغلو أستطعنا أن نقصد منزلهم عصر يوم السبت في 22/6/2024م ونكون ضيفا في مضيفهم العامر ونحن نشكرهم على كرم الضيافة وحسن استقبالنا من قبل الأخوين شادان وشانلي حينئذ جلسنا وفاتحتهم بالموضوع بالبحث عن نتاجات والدهم من قصائده الأدبية لكون والدهم شاعرا في حينه فأجابا نعم ان والدنا كان شاعرا متميزا له نتاجات كثيرة من أشعاره لكن للأسف نتيجة التغيرات والترميمات التي حصلت في دارنا حالت لضياع الأرث الأدبي الوافر لوالدنا رحمه الله تعالى ، لايخفى على أحد من شعراء وأدباء كركوك وطوزخورماتو ان الابن الأكبر لعسكر شكور الأخ شادان عسكر شاعرا محترفا عندئذ تيقن لي ان الأدب وراثة يرثها الولد اما عن الجد أو عن الأب ولذلك أحببت أن أسرد لكم نموذجا من قصائد الشاعر شادان عسكر وهو يصف قدسية شهر رمضان المبارك شهر الخير والعطاء برباعياته الجميلة  واليكم منها:-
گلدي رمضان آيي
بوآي اسلامين پايي
توت أوروچ نماز قرآن
كيسمه ديننه ن آرايي
أوروچ توتماق بير صححت
تانريدان بيزه نعمت
توتون أللهين يولون
جه كميه سه ن بير زحمه ت
سيز توتون أوروچ نماز
دنيا مالي ياراماز
فقيرين گوز ياشلارين
چوخلار واردي آراماز
خوش گلديو أي رمضان
گونول خوشي هر زمان
ياپتيغو قبول أولسين
رجا دليور شادان
هذا ولكم تحياتي أحبتي الأعزاء

إرسال تعليق

0 تعليقات