بقلم الدكتور عبد الكريم خليفة
في زمنٍ تحكمه الشاشات وتديره الخوارزميات، تحوّلت الشهرة من هدف بعيد المنال إلى إمكانية يومية متاحة بضغطة زر لم يعد النجوم حكرًا على الفن أو الرياضة أو السياسة، بل صار أي شخص قادرًا على أن يصبح "ترند" بين عشية وضحاها هذه الظاهرة، رغم بريقها الظاهري، تحمل جانبًا مظلمًا ينعكس في ما يمكن تسميته بـ اضطراب الشهرة والترندات، وهو اضطراب نفسي وسلوكي يتغذى على هوس الظهور، ويسلب الإنسان هدوءه الداخلي والشهرة وهو مركب نقص يجعل من الشعور بالدونية او النقص
او بالاخفاق او بالفشل بالحياة الاجتماعية سببا في الشعور التوهمي بالاهمية والنجاح
وهي ليست عيبًا بحد ذاتها، لكنها تتحول إلى فخ حين تصبح المعيار الوحيد لقيمة الإنسان وايضا هو الطريق الوحيد لتوهم النجاح اضطراب الشهرة والترندات هو انعكاس لمجتمع سريع الإيقاع، يقيس النجاح بالانتشار لا بالإنجاز، ويتطلب وعيًا ذاتيًا عميقًا لئلا نتحول إلى أسرى للشاشة، وهذا لاينطبق على الشخص المشهور او الطبيب الماهر او المسؤول النزيه او الفنان او صاحب المحتوى الهادف او الاعلامي الناجح الذي ينشر نتاجه او نشاطه او انجازه بل ينطبق على عينة مهمشة تافهه ليس لها وزن بالمجتمع فاشل في حياته الاجتماعية والعائلية والمهنية ويستخدم الشاشة وسيلة للتكوين العكسي لحقيقته
ماهية الاضطراب
اضطراب الشهرة والترندات هو نمط متكرر من التفكير والسلوك يتمحور حول السعي الدائم لزيادة عدد المتابعين، المشاهدات، وردود الفعل، حتى يصبح هذا السعي هو المعيار الأساسي لتقدير الذات ومع الوقت، يصبح الشخص أسيرًا لآراء الجمهور ولأحدث صيحات المحتوى، فاقدًا لقدرته على التمييز بين ما هو أصيل في شخصيته وما هو مُفتعل من أجل الظهور ماهو صحيح وماهو خطأ ماهو خصوصية وماهو عام بعض الاحيان يصل الى ماشوسية جنسية او الفيشية او جلد الذات .
العوامل المولِّدة
البيئة الرقمية التحفيزية: خوارزميات المنصات الاجتماعية تكافئ المحتوى المثير للجدل أو العاطفة، مما يجعل المستخدم يسعى دائمًا لإنتاج ما "يكسر الروتين" ولو كان على حساب المصداقية وبعض الاحيان فضح خصوصيته ونشر تفاهات حياته اليومية .
ثقافة الاستهلاك اللحظي: المشاهدات السريعة والتفاعل الفوري تُعطي إحساسًا مؤقتًا بالقيمة، لكنه سرعان ما يتلاشى، فيدفع الشخص لإعادة التجربة بشكل أعمق وأجرأ وبطريقة مملة ومختلقة.
فقدان المعنى والهوية: غياب أهداف واقعية أو شعور بالإنجاز خارج العالم الرقمي، يجعل الشهرة الافتراضية بديلًا عن الشعور بالنجاح لذلك يتوهم النجاح ويعيش اسير فشلة ونكوصه المرعب .
الانعكاسات النفسية والاجتماعية
ضغط دائم: القلق من انخفاض التفاعل أو الخروج من دائرة الترند.
تذبذب المزاج: تقلبات عاطفية مرتبطة بعدد الإعجابات والمشاهدات.
انعزال واقعي: ضعف الروابط الاجتماعية الحقيقية، واستبدالها بعلاقات سطحية قائمة على المصالح الرقمية.
أخلاقيات مهزوزة: تبرير نشر الشائعات أو إثارة الجدل المفتعل لجذب الانتباه.
أمثلة من الواقع
المؤثرون المهووسون بالتحديات الخطرة: حيث يتحول جذب الانتباه إلى مغامرات تهدد السلامة الجسدية.
صناعة الفضائح: تسريب مقاطع أو افتعال مشاكل بهدف كسب المشاهدات.
تضخم الأنا الافتراضية: حيث يصبح الشخص مختلفًا تمامًا على الإنترنت مقارنة بحياته الحقيقية.
سبل المواجهة
إعادة تعريف النجاح: تحويل التركيز من "عدد المشاهدات" إلى "جودة المحتوى".
توازن رقمي-واقعي: تخصيص وقت أكبر للتجارب الواقعية والتواصل الإنساني المباشر.
التثقيف الإعلامي: فهم آليات عمل الترند وكيف تؤثر على السلوك الجمعي.
طلب الدعم النفسي: في حالات الإدمان أو الاكتئاب الناتج عن فقدان الاهتمام يحتاج مراجعة مصحات نفسية او معالج نفسي لاعادة الشخص المهووس الى واقعه العملي بدلا من الافتراضي .
النفسية والاجتماعية
مقالات عامة
النفسية والاجتماعية
0 تعليقات