( بقلم:- وجدي نيازالدين أكبر
الحلقة (60)
تضاريس الأرض وعامل الوراثة لهما الدور الأكبر في تحديد لون بشرة الانسان فالذي لونه أحمر يخيل الينا انه من الصين الشعبية والذي لونه أشقر يعكس لنا أنه من لبنان أما الذي لونه أسود يثير مظنتك أنه من المناطق الحارة كالبصرة والسودان واليمن والسعودية ، كل ألوان البشرة ليست لها تأثير سلبي على شخصية المرء بقدر اللون الأسود الذي حامله تراه مهموما طول الزمن وهو يأن في داخله على نظرة الدون من الناس لذوي البشرة السوداء مثلما الشاعر وبطل الجاهليةعنترة بن شداد العبسي الذي كان يتأوه من أعارة الناس عليه على سواد لونه في قصيدته الرائية انه قال:-
يعيرونني بسواد لوني جهالة لولا سواد الليل ماطلع الفجر
ولكن تبعدت الفحشاء عني كبعد الأرض من جو السماء
وفي أدبنا التركماني ثمة قصيدة تركمانية تقرعين ذوي اللون الأسود وترفع معنوياته عاليا وتجعله لايكترث بما يعابه العالم لبشرته السوداء وهذا نصها:-
قره يه م قنبر كيمين
مسكيه م عنبر كيمين
قره ني جوخ سيوه للار
يونس بيغمبر كيمين
مؤداها :-
أنا الأسود كالقنبر لونه
أنا الحامض كالعنبر طعمه
الناس يحب الأسود كثيرا
كحبهم لنبي الله يونس
هناك قادة من ذوي البشرة السوداء منهم القائد التركي (قره أوغلان) المسمى ب(الغلام الأسود) الذي له تأريخ مشرف على مر الزمن اذ حرر جزيرة القبرص عام 1974م وضمها الى تركيا حيث أنشودة باللغة التركية تمجد موقفه البطولي منادية:-
حلال أولسين حلال أولسين قره أوغلوميزه
مفاده:-
مبارك مبارك النصر لولدنا الغلام الأسود
في مدينتنا طوز خورماتو أناس ينادون بسواد لونهم وهم تركوا بصمة مشرفة في الانسانية منهم قره سمين أحمد دهمز من مواليد طوز خورماتو عام1890م نشأ في بيت ميسور ومعطاء والده كان من خيرة الناس كان يكنى ب(صحن أحمد) الذي كان يطعم الناس في أيام المسغبة ويجود بصحونه لوجه الله ، قره سمين هو ألأكبر من بين اخوته الثلاثة ، أشقائه ألآخران كذلك ينادان ب قره أيواز وهو والد الاستاذ زين العابدين رحمه الله ، حسن ، موفق ، نجاة وشقيقه الآخر قره عباس كان بائع أقمشة تزوج من امرأتين ولم يرزق بأي خلفة أمام شقيقه الأخير هو شهباز وهو والد الحاج مجمود الذي كان يمتهن نجارا في سوق النجارين يقال أنه توفي أثناء ممارسة مهنته بسكتة قلبية اثرغم ألم به فأودى بحياته ، أم قره سمين هي نازنده موسى وهي أخت حسن موسى والد (كور محمد ورحمة زوجة ابراهيم طعمة ناخورجي) عاشت قرابة130سنة وأخت نازنده هي زهرة(زوره) وهي زوجة بندر جاويش وهي أم (7) أولاد وبنتان الأولى رحمة والدة طوبال محمد وعلي كارخ أما الثانية هي شهربان والدة مهدي مبارك، مجيد وحميد وعبدالكريم أولاد جاسم أحمد ، قره سمين في أول شبابه كان أغا ملاك للمواشي والأراضي الزراعية تزوج من حمدية ابنة درويش زينل حسين تسنلي ورزق منها خمس بنات وثلاثة أولاد وهم:- ناظم ، محمد ، علي ، ناظم توفي وهو في دور الحداثة راح ضحية حسد وكذلك توفي محمد وهو في دور الفتى اثر مضاعفات مرض الجدري أما علي وهو الآن تربوي متقاعد دعائي له العافية والعمر المديد ، شارك قره سمين في الحرب العالمية الأولى على جبهة روسيا وبعدها قاوم الأنكليز عند احتلالهم العراق عام 1918م اذ احتضن 3جنود انكليز وأطرحهم أرضا وأخذ أسلحتهم بشهادة محمود بايرام شناو والد جلال جايجي رحمه الله وعلى اثره التجا الى قرية مناصر الكردية وضم روحه هناك لئلا تلاحقه رجال حكومة اتكليز لذلك كان ينزل لبيته بخفوت على ضوء القمر وعلى ضوء الرعد ويرجع الى مأمنه فجرا ودام على هذه الحالة أكثر من سنة الا أن ألقي القبض عليه باخبارية من الوشاة الى حكومة آنذاك وعلى أثره عوقب بالسجن لمدة شهرين ثم أفرج عنه ، من صفاته المميزة انه كان يسبح بالماء البارد أيام الشتاء القارص ويعبر نهر آق صو بالسباحة وكان يتناول دهن الحر كل يوم فيحتسيه كالحساء.
ومن بطولاته يقول الأستاذ علي دمرجي تراهن والدي مع جماعة من شجعان مدينته طوز خورماتو على دق الوتد في المقبرة ليلا ويقضيه احياءا حتى طلوع الشمس نعم أتى أصحابه فجر اليوم التالي فوجدوه مستيقظا وفي فمه السيكارة الأخيرة وبجانبه باقة من قطوف السكائر المشتعلة وهو مرتاح الضمير على أداء مراهنته بكل ثقة وأمان ، كذلك زاول قره سمين مهنة الكروانجية (القافلة) بها كان يجلب البضاعة على صهوة مراكبه من الدول المجاورة حينئذ عمل في تجارة أسوار الذهب الذي كان يجلبها من ايران وبصحبة زين العابدين برور ضل يمارس المهنة حتى الغائها عام1939م وبعدها فتح محل الحدادة الحرفية بشراكة رفيق دربه زين العابدين برور وتواصل قره سمين في الحدادة مع مردان وعلي وهما ولدا زين العابدين برور بعد رحيل والدهم من مبتكرات قره سمين طوال مزاولة حرفته انه صنع كلابا مسننا لقلع السن وما زال هذا الكلاب موجود في أرشيف أستاذ علي فصورته بعدستي وجعلت صورة الكلاب مع المنشور شاهد عيان يقول من انسانية قره سمين كان يقلع السن المتسوس بهذا الكلاب وأحيانا مع خيط قوي في الوقت الذي كانت مدينة طوز خورماتو خالية من طبيب الأسنان ولا سيما في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي ، أنهى قره سمين عمله في الحدادة نهاية عام 1962م بعد تقدمه في العمر وشريكه الأخير مردان زين العابدين برور ولم يأخذ من أغراض الحدادة سوى حديدتين وكلاب قلع السن ، تواصل قره سمين بمساعدة زميله مردان في دق الحدائد بين فينة وأخرى حتى نهاية عام1968م عندئذ طلب والدي بناية المحل من مردان لان ملكية المحل تعود لهم فحول المحل الى وكالة المواد الغذائية في مطلع عام1969م ، قره سمين كان يتعامل بالشفافية مع أولاده ذكورا وأناثا ولم يرهقهم ويلبي كل طموحاتهم ويشجعهم على الدراسة المتواصلة حتى تخرج ولده معلما وكذلك تمكنت ابنته فضيلة أن تتخرج معلمة وهي تعتبر ثالث معلمة تخرجت من طوز خورماتو في مطلع الستينات القرن المنصرم آنذاك كثير من أولياء الأمور كانت تحرم بناتها من الدراسة وتجلسها في البيت عنوة لأسباب التعنت والتعصب والتزمت الذي كان فاشيا عند الناس ، سافر قره سمين الى حج بيت الله الحرام عام1969م عقب ما أنقطع من السوق بتاتا برفقة ابنه البار الأستاذ علي ده مرجي وهو يقول سافرنا الى الحج بسيارة 18راكب مرسيدس نوع عنجة سائقها زين العابدين ده للي حسين ونحن 4 عوائل عددنا لايتجاوز عشرة راكب وعند الطواف كنت أحمل والدي على ظهري لأنه كان مسن عمره بالغ 80سنة ولم يتمكن من الهرولة والصعود في السيارة العالية أثناء أداء مناسك المزدلفة بعد رجوع قره سمين من الحج كان يزورنا في السوق وفي يده باقة ورد من حديقة دارهم وهويهديها لنا عند كل مجيئه للسوق ولم يتخلى عن زيارتنا حتى وافاه الأجل عام1974م ماورث عن قره سمين بعد رحيله هو خنجر مع بندقيته يكتر من العهد العثماني ولكن أهله حرقهما خوفا من بطش نظام صدام هذا ولكم تحياتي أحبتي الأعزاء
0 تعليقات