اعداد عــلــي عــبــدالله
ابان بن عثمان هو احد رواة الحديث النبوي، له كتاب ضائع في السيرة النبوية، أو قد تم إحراقه، لأسباب سوف أعرضها في مقالتي هذه، إن اهمية شخصية هذا المؤرخ الفذ، تضعنا في شبهِ يقين بحثي على عدهِ أول من كتب في تاريخ السيرة النبوية،
يقول عنه الأستاذ عبد العزيز الدوري : ان ابان كان مرحلة انتقالية بين الحديث والسيرة أو الحديث والتاريخ .
ولست هنا في صدد بيان صواب هذا الرأي من خطئه ، بل سأحاول جاهدًا أن أضيف لهذا القول بعض الجُمل المهمة في ميدان البحث التاريخي.
لقد كانت البدايات الأولى لحفظ التاريخ بدايات قبلية، اختصت بحفظ مآثر القبيلة وبطولات رجالها، او بحفظ بطولاتهم شعراً أو قصصاً، فكان هدف التاريخ هو رفع قيمة القبيلة بين القبائل الأخرى والاشادة بأمجادها.
فنجد مثلًا، معلقة (عمرو بن كلثوم ) التي تشيد ببطولات " تغلُب"، فضلًا عن إيراد مواقف المبارزة والشجاعة في حرب البسوس أو داحسٍ والغبراء، وبطولات الزير سالم وعنترة العبسي.
وظل هذا الاتجاه حتى صدر الإسلام الأول ، وظلت ذهنية القبيلة هي المسيطرة على كتابة وحفظ التاريخ فلما جاء ابان بن عثمان بكتابه كان ذلك حدثا فريداً، فها هو الرجل الاموي، يُقدم بشجاعة على كتابة تأريخٍ لسيرة نبي هاشمي صلى الله عليه وسلم، بل مُظهًرا دور بني هاشم في مؤازرته، ومن المؤكد انه كتب عن الصحابة الأوائل وهم من مختلف القبائل كتيم وعدي وزهرة ومخزوم وسهم، ثم الانتقال بالكتابة إلى المدينة المنورة، حيث كان للاوس والخزرج الراية الكبرى والكأس المعلى في نصر الإسلام والمسلمين ، في حين وقف المؤلف وهذا هو المتوقع من مؤرخ يحاول كتابة سيرة الرسول،، موقف الحيادية التامة من قبيلتهِ فذكر ما كان لبني امية وبيت أبو سفيان والحكم من عداء للرسول عليه السلام وللدين الجديد ، وهذه هي الجريمة الكبرى لـــ ( ابان ) الذي كتب تاريخاً اسلامياً عربياً في وقت كانت العقلية القبلية ما زالت تحكم البيت الاموي عموما، والمرواني خصوصا، وهو الامر الذي اثار حفيظة سليمان بن عبد الملك ونقمته فاحرق الكتاب بالطريقة التي أطلعنا عليها في المصادر التاريخية، ومصداق كلامنا إنه قد أشار إلى معاوية بن ابي سفيان على معرفة اخبار الاولين على يد ( شربة بن عبيد ) الذي الف لمعاوية كتابًا في اخبار الماضين وانصرافه عن تتبع حياة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، فلم يسلم معاوية الا عام (8) هجرية فإيهما كان أولى بالمعرفة النبي الذي أتاح دينه لمعاوية ان يصبح حاكماً على بلاد الشام درة الإمبراطورية البيزنطينية ثم خليفة على الأرض، ام اخبار الماضين الذين لم يكن لهم على معاوية ادنى فضل والحقيقة ان عقلية القبيلة كانت تحكم عقل معاوية ومن جاء بعده في مسألة توثيق حوادث الأيام وكتابة التاريخ ، ولرب سائل يسأل اليس ابان من البيت الاموي وقريب سليمان ؟ فنقول ان كان ابان يلتقي مع سليمان في النسب فأنه يفارقه ويباعده في الحسب – فسليمان بن عبد الملك بن الوزغ بن الوزغ ، وابان بن عثمان صاحب الهجرتين والخليفة الثالث مجهز جيش العسرة ، فما يعاني منه سليمان من تقصير عائلي في نصرة النبي فلا يعانيه ابان ولا يشاركه معاناته وكيف ذلك وابوه زوج بنتي رسول الله .
وبينما كانت كتب التاريخ في العصور الإسلامية متأثرة بالنظرة العصبية القبلية، فظلت تكتب عن هؤلاء من بني هاشم أو من بني امية أو من بني العباس، في حين كان يجب النظر اليهم كل رجل على حده وعلى مقدار عمله وجهده وايمانه لا على أساس القبلية.
فكان لأبان قصب السبق في كتابة عن الامة الإسلامية والتحرر من القيود والحديث عن الامة الإسلامية لا عن عصبية الجاهلية.
لقد كان للنظرة القبلية تأثيرها السيء على كتب التاريخ اولاً ومن ثمة على قراء هذا التاريخ ثانيا، حيث كره بعض الناس تأريخهم كما كرهوا الأمويون كما كره الامويون تأريخ قبيلتهم وحربها لله ورسوله في كل موطن وفي كل زمان .
فهل كان هذا هو الدافع لسليمان ان يحرف كتاب سيرة ابان ؟ وانا هنا ازيد واضيف على عبارة الأستاذ الدوري بان ابان بن عثمان كان مرحلة انتقالية من القبيلة إلى الامة وهذه هي غلطة ابان وجريمته الكبرى .
0 تعليقات