عراق

حكاية الأيام. الحلقة الحادية عشر

حكاية الأيام الحلقة الحادية عشر 
   بقلم :_ وجدي نيازالدين أكبر 



أصعب موقف يمر به الأنسان في حياته هو فقد أحد أحيائه أو أعزائه جراء أجل موعود أو حادث مؤسف أو أعمال عنف فيقال (تعددت الأسباب والموت واحد) وما أحوج الثاكل حينئذ لمن يواسيه ويخفف عن لوعته ، مجالس الفاتحة خير سبيل لتخفيف هموم الرجال وأحزانهم ، أما بالنسبة للنساء فالنعي هو أفضل طريقة للتعبير عن مشاعرهن الرقيقة ، في مدينتنا طوز خورماتو اشتهرت في مجال النعي في 
 منتصف القرن الماضي العدادة المرحومة (فرجة قنبر) حيث كانت أديبة وشاعرة مبدعة وواحدة من أعلام الأدب  التركماني النسوي في أصول الفواتح اذ كانت تردد في نواحها الخوريات والرباعيات التركمانية بأجمل معانيها والمتفرعة من مقام الحجاز ولهذه المناسبة أذكر لحضراتكم بيتين من الشعر للشاعر أبي نؤاس يبين فيهما عن مدى صعوبة الفراق عن الأحبة سواء أكانوا أحياءاً أو أمواتاً ولعل لهما صلة بالموضوع وهما:
حامل الهوى تعب          يستخفه الطرب
أن بكى يحق له             ليس ما به لعب
في حكايتي هذه أعرض لكم تأريخ حياة العدادة المرحومة (فرجة) وكيف تعلمت فنون النعي وما هي الظروف التي جعلتها ناعية ،  ولدت (فرجة قنبر )من أبوين تركمانيين في مدينة طوز خورماتو في محلة "كوجوك بازار" عام 1898م مات والدها وهي في السنة الخامسة من عمرها ، أسم والدتها (مرخانه). 
لم يكن لها أخ ولا أخت تزوجت والدتها من المدعو (حوت حمه) وهي صغيرة في السن ذهبت لتعيش مع والدتها في دار الزوجية ترعرعت وتربت وكبرت في كنف زوج أمها ولما بلغت من العمر أثنا عشر سنة خطبها أبن عمها(كوثر بندر) وقبل يوم من الزفاف أراد كوثر أن يضيف العروس في داره لأنها بنت عمه ولشدة حرصه عليها لكونها يتيمة وهي في ذمة زوج أمها ويراها حالة شاذة وعلى ضوء هذه الفكرة أصر كوثر على ضيافتها ولكن أهله وأقاربه نبهوه وقالوا له أن (حوت حمه) لم يقبل بهذا ولا أمها ولكن (كوثر) لم يصغي للنصائح فهرع ودق بابهم فخرج (حوت حمه) وزوجته فأفصحهما كوثر عن نيته فأعترضا على طلبه فبدأت مشادة كلامية وتحولت الى المشاجرة بالسكاكين فقتل حمه كوثرا وأنقلب العرس الى مأتم فحينئذ جلست فرجة في الفاتحة وهي تندب حضها وترثي أبن عمها(العريس) بدلا من أن تتهنأ وتسعد في بيت الزوجية وحكم على القاتل (حوت حمه) بالسجن لمدة سبع سنوات ، بعد مرور ستة أشهر على الحدث تصالحا الطرفان المتنازعان فخطبَ (فرجة) أبن عمها الآخر (بايرام بندر) وهو شقيق المرحوم (كوثر) فرزقت منه طفلان هما: (شكور وحمدية) ولم تمض سنتان على زواجهما أو أكثر توفي (بايرام) وترملت(فرجة) وبعد مضي خمس سنوات تزوجت (فرجة) من ابن عمها(خليل) وهو من سكنة بغداد وهو الشقيق الأكبر للمرحوم(أسطة جميل) فأنجبت منه طفلين هما((سماعيل وصبرية) توفي والدهما وهما صغيران في العمر فعادت(فرجة) أرملة من جديد وهي صاحبة أربعة أيتام ليس هناك من يعيلهم فأضطرت أن تعمل عدادة(ناعية) لقاء أجر لتمشية أمورها وأمور أطفالها ولئلا تعوز وأخذت تلقي القصائد والخوريات  وتعدد أسماء موتى المعزيات من النساء فتبكيهن ولاتبقى معزية الا تعد موتاها .... ولمزيد من المعلومات حول المرحومة (فرجة) أذكر ما قاله الشاعر القدير حسين علي مبارك رحمه الله في كتابه طوز خورماتو الصادر عام 1960م حول المرحومة(فرجة) في بيت من قصيدته :_
ياس باشليان فرجه عمه سازلادي     ياسا كله ن أروادلاري كوزله دي
مفاده:_ نعت العدادة العمة فرجة     فعددت موتى النساء المعزيات
توفيت فرجة سنة1968م بأجلها الموعود وأستلمت الفن من بعدها أبنتها حمدية وهي أم لكل من الأسطة (ابراهيم جميل) والأسطة( مهدي جميل) والأخ (عدنان جميل) وكانت أجادنها ليست كأمها فرجة ومضت الى سبيلها عام 1985م ومنذ ذلك الحين اندثر الفن وصار في طي النسيان هذا ولكم مني أطيب التحيات .

إرسال تعليق

0 تعليقات