عراق

الهايتك الاسرائيلي

(الهايتك الاسرائيلي)
-د. مفيد قسوم




"التكنولوجيا المتقدمة، التقنية الفائقة، أو ما يعرف بالهايتك (بالإنجليزية: High Technology او Hi-Tech) تشير غالبًاً إلى الصناعات المتعلقة بعالم الحوسبة، وأيضاً إلى الإلكترونيات والتكنولوجيا الحيوية والصناعات الأخرى. فمنذ أن انتقل العالم من عصر الثورة الصناعية إلى عصر المعلومات، أي الثورة التكنولوجية، تغيرت الكثير من طرق وأساليب ممارسة الأعمال والتطور في مختلف الدول، مما أتاح بيئة اقتصادية تعتمد بشكل أساسي على المعلومات العلمية والتقنية.

تم الحديث في إسرائيل عام 1954 عن أول حاسوب للأغراض العلمية "الفايستاك" ، ليكون سادس حاسوب يصنع في العالم. ويشير فرنكل احد مهندسي هذا الحاسوب إلى أنّه في تلك الفترة لم تكن في البلاد أيّة بنية تحتية لصناعة متطورة، و"قد قمنا بتصميم قطع لهذا الحاسوب في محل لقطع غيار الدراجات في هازور.

يركز علم الاجتماع التقليدي، عندما يتناول صناعة الهايتك في إسرائيل على ثلاثة أمور هي: رأس المال الاجتماعي، رأس المال البشري ورأس المال الاقتصادي التقليدي، وكذلك على دور الدولة في عملية توجيه اليد العاملة وتنظيم العلاقات بين رأس المال الاجتماعي والبشري والتقليدي.

لصناعة الهايتك، أنتَ بحاجة إلى رأس مال بشري من مؤهلات ومهارات وكفاءات علمية، بالذات تلك التي تعتمد على العلوم الفيزيائية والهندسة والتكنولوجيا والرياضيات، ويفترض توجيه تنمية الأجيال في هذا الاتجاه ونحو هذا الهدف وهو ما يركز عليه جهاز التعليم في إسرائيل من تشجيع تعليم 5 وحدات رياضيات وفيزياء وغيرها من المواضيع العلمية لأجل بناء رأسمال بشري.

لقد وصل إلى إسرائيل من 1990 إلى عام 2002 حوالي 100 ألف مهندس في تخصصات مختلفة، اسرائيل بعد حرب 1967 قامت بهندسة الكفاءات اليهودية التي ستأتي اليها، وهنا يدخل التخطيط الإستراتيجي الإسرائيلي، لأنه في مجال تكنولوجيا المعلومات وتكنولوجيا الاتصال يتميز المشروع الاسرائيلي، بإصرار إستراتيجي منقطع النظير إلى جانب مرونة تكتيكية هائلة.ايضا برعت في المرونة التكتيكية في التعاون التكنولوجي مع دول لا تدور في الفلك الأميركي كالصين.

في سياق صناعة "الهايتك" هناك بضعة مشاريع في العالم هي: المشروع الأميركي والمتمثل بترميم الهيمنة الأميركية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وديمومته في ظل الزحف الصيني؛ والمشروع الصيني، الذي انطلق عام 2013 ويتمثل بـمبادرة "الحزام والطريق" وهو مشروع عابر للقارات في البنى التحتية والذكاء الاصطناعي. بالإضافة إلى المشروع الألماني،الذي انطلق عام 2011 ذي القدرة الصناعية الرابعة في العالم لتتحول إلى مصنع مصانع العالم، والمشروع الإسرائيلي.

 إسرائيل نجحت محليا في ربط رأس المال البشري ورأس المال الاجتماعي الموجود في قلب بوتقة الصهر في الخدمة العسكرية، حيث تم تحويل الصناعات العسكرية والتكنولوجيا العسكرية إلى تكنولوجيا مدنية، والدليل على ذلك هي وحدة 8200 للاتصالات في الجيش الإسرائيلي والتي هي تجسيد لرأس المال الاجتماعي الناشئ عن إطار الخدمة العسكرية.

 دان سينور وشاؤول سينغر، في كتابهما، "دولة البدايات- الهايتك والاقتصاد الصناعي الإسرائيلي"، أن الوقاحة الإسرائيلية هي إحدى عوامل نجاح صناعة الهايتك في البلاد، وأنّ الإسرائيلي الذي يخدم في الجيش لا يقبل البديهيات والمسلمات ويناقش في كل شيء، وهذا يشجع ثقافة الإبداع والخلق والتفكير النقدي الاسرائيلي، ولا يمشي في القطيع ولا يقبل الأفكار الجاهزة و"المنزلة" وهو ما يشكّل حاضنة للفكر الريادي والإبداع، لأنه إن كانت لديك فكرة وخجلت أو خفت من التعبير عنها، فلن تتطور، وهنا تأتي أهمية الوقاحة.

لعبت العلاقات البنيوية بين المجمع العسكري الصناعي الأميركي و الإسرائيلي، في نجاح "الهايتك الإسرائيلي" الذي يكمن في قدرته على استعمال موارد أكبر اقتصاد في العالم، إذ أنّ أميركا هي التي خلقت "وادي السيليكون" حول تل أبيب ورعنانا وبيتح تكفا، وإنتل وغيرها من كبرى الشركات الأميركية جاءت واستثمرت في هذه الصناعة، وكان الاستثمار الأكبر عام 2006.وليس صدفة أنّ إسرائيل بعد عام 1993 دخلت مرحلة بنائها كمركز عالمي من خلال رافعة صناعة الهايتك، حيث بدأت بالاستثمار المباشر؛ والسبب الرئيس لذلك هو وجود الشركات الأميركية، حيث بات دخول الشركات الأوروبية إلى "وادي السيليكون" الأميركي يمر عبر البوابة الإسرائيلية.

قطاع الهايتك في إسرائيل هو ليس أداة اقتصادية فقط بل أداة سياسية ايضاً، فهذا القطاع يعود على إسرائيل بمردودات مالية، أمنية وسياسية كثيرة. تستغل إسرائيل قدراتها البرمجية، تطورها وتفوقها في مجال الهايتك عامًة وفي السايبر خاصًة، لتبقى مصدراً للتكنولوجيا لكافة دول العالم ولتصبح بنكاً للمعلومات الأمنية في المنطقة، وأيضاً بهدف بناء علاقات دبلوماسية متينة مع العديد من الدول المتقدمة والمتطورة ولتغير المفاهيم المتبعة لممارسة النفوذ في العلاقات الدولية وبالتالي تستطيع إسرائيل أن تلعب دوراً كبيراً في السياسة الدولية.

وبدون شك، فإنّ إسرائيل تبسط اذرعها في المنطقة العربية من خلال صناعة الهايتك، بعد استبدال فكرة السيطرة التي تفرض بالقوة العسكرية بفكرة الهيمنة التي تفرض بالقوة الناعمة، فهي توظف صناعة الهايتك كقوة ناعمة في السيطرة على منطقة الشرق الأوسط اقتصادياً وسياسياً، واليوم العديد من الدول العربية تستخدم الهايتك الاسرائيلي في المراقبة وفي الأمن الوطني وفي التنصت والتجسس ومراقبة الحشود والسيطرة على التجمعات البشرية.... إضافةً إلى ذلك، فإنّ إسرائيل لديها "شيك مفتوح" للدخول لأي دولة في العالم من خلال تكنولوجيا الأمن السيبراني فهي تمثل ثاني أكبر عدد من صفقات الأمن السيبراني على الصعيد العالمي بعد الولايات المتحدة."~

إرسال تعليق

0 تعليقات