(خضر الياس) في الموروث الشعبي في تلعفر
بقلم سعيد عباس اوغلو
يعتبر(خضر الياس) من الاعياد المحلية الموسمية والتي ليس له ارتباط بالدين الاسلامي بل هو انقلاب ربيعي واحتفال محلي متوارث يحتفل بها كل سنة في تلعفر, ويقام في الخميس الثالث الاقرب ليوم (18) من شهر شباط لسقوط الجمرة الأولى(جمرة الهواء) بالحساب الشرقي التلعفري. ويستخدم مصطلح (خضر الياس) للدلالة على ناحية مناخية مهمة تشير الى انتهاء موسم الشتاء ببرده القارص وحلول موسم الربيع باسماً ضاحكاً بمروجه الخضراء. يخرج الاهالي الى موقع التل المعروف ﺑ(خضر الياس تبه سى - تل خضر الياس) فيحتفلون بهذا العيد ثلاثة ايام ويذكرون ان الشتاء قد انتهى, واقبل الربيع قائلين : (خديرّاز خللي خلاص گيتدي بهار گلدي ياز) اي ان خضر الياس يعني نهاية البرد والخلاص منه وحل الربيع والصيف. ان هذا المثل يشاع عادة بعد ان يأذن الشتاء بالأفول وبعد ان يحل الربيع تمهيدا لقدوم الصيف. فتخضر اليأس ويكسو الارض بطبقة خضراء والوان زاهية من الورود الملونة (بهار چیچاگی و ایران چیچاگی ...) التي تسر الناظرين. كان الاهالي (قديما) يقومون بزيارة التل اما سيرا على الاقدام او بواسطة الحيوانات الخيل او الحمير, (اما الان فيتم بواسطة السيارات). وتنهال على موقع التل كثيرا من العوائل وينتشرون في محيطه في الاماسي وقد تزينوا بأبهى الملابس التي تشبه ملابس العيد رجالا ونساء واطفالا. وقبل العيد بيوم يعدون حلاوة الخضر ويكون نوعا من السويق(أون حلوى سى), يتخذونه من خلط الدبس مع الدهن, ومن ثم تخلط مع الطحين حتى يكون مزيجا وتوضع في قدر وتلف بغطاء سميك من القماش (تفال) ولا يتم فتحها الا بعد ان تمر عليها ليلة الخميس, حيث أن الخضر عليه السلام سيمر ليلا على هذه الحلوة يلمسها ويباركها, وفي صباح الخميس اذا لوحظت آثار كف عليها كان ذلك دليلا على ان خضر الياس قد قبل النذر, وسيتحقق المراد, وتكون الحلوى جاهزة للأكل, ويوزع على الأقارب من النساء المتزوجات البنت, بنت البنت, العمة, الخالة, ويتخذون للأطفال كيسا صغيرا يوضع فيه السويق ويثبت في عنق الطفل وهو يمص السويق من الكيس بقصبة صغيرة تثبت في فتحة الكيس(قاووط). وحين وصول الافراد الى التل يزورون القبور الموجودة عليها, ويتصدقون الى الفقراء ﺑ(خضر الياس كولچه سى – كليچة خضر الياس) بعضاً, ثم يدخلون المقام ويزاولون فيه بعض الطقوس, ثم تقام الحفلات الشعبية والدبكات التركمانية على اطراف التل من العزف بالبزق (ساز) والناي(زرنا) والطبل(نقّارة), وتستقل كل عائلة الى جانب لتناول وجبة الغداء وبعد شرب الشاي يقضون اوقاتهم في مشاهدة العاب الكرة والصولجان (حول اويونى) ومباريات ركوب الخيل (آت سگرماغی) حيث تقام السباقات بين الفرسان, وتعرض مهارات اولئك الفرسان في ركوب الخيل وممارسة الالعاب المتعلقة بها وغيرها من العادات التي وجدت من السهل المنبسط لخضر الياس مسرحا حيا لها, وبعد العصر يقفلون عائدين الى بيوتهم مسرورين...ومن تقاليد هذا العيد أكل (بلماج) في الصبح, وكذلك (حالم آشى), وقص جدائل البنات, وقص شيء من شعر البنين, وقد يصوم بعض العجائز في الايام الثلاثة التي تسبق العيد وليس لهذا علاقة بالدين الاسلامي , وانما هو تطوع منهن, وكذا نجده عند النصارى عيد (مار بهنام) فالصوم عندهم يسمى (الباعوثة) وهو مقتبس من صوم اهل نينوى . وكذلك اليزيدية وهم يصومون هذه الايام الثلاثة, والبعض يوما واحدا . من هذا المنطلق تغلغل (خضر الياس) في أعماق الناس تغلغلا شاملا مساحة واسعة وحيزا كبيرا من التفكير الشعبي الى درجة مزاولتهم بعض الطقوس ومنها : تحقيق المطلب (المراد=مراز) حيث يقف الناس في الجهة الغربية للمدخل الشمالي عند ثقب في حائط المقام يرتفع مترا أو يزيد عن الارض يعرف ب(مراد دلوﮔو– ثقب المرام او الأمنية) وعلى من اراد أخذ الحظ والسعد إن كان مطلبه يتحقق ان يقف أمام الثقب، ثم يضم أصابع يده اليمنى باستثناء السبابة التي تبقى ممددة, ثم يسير مغمضاً عينه ويمد سبابته للثقب فإن دخلت دل ذلك على تحقق الطلب. ومنها من لا طفل لها تصوم وتنذر ﻠ(خضر الياس) الحلوى وتوزعها على الفقراء وتدعو الله أن يرزقها ولدا. فان رزقت الولد دأبت على التصدق سنويا. والبعض يطلقون أسم كل من (خضر او الياس)على المواليد الجدد أعتزازا به وايفاء لنذر يتعلق به بكيفية ما. وقد يقوم البعض من النساء على وضع الاكل الذي جلبتها لغاية في نفسها في غرفة السر (سر ايوي) ومن ثم تغادر الى خارج الغرفة لتفسح المجال الى (خضر الياس) لكي يأخذ نصيبه من الطعام بقصد البركة. وبعد فترة وجيزة من ملاحظتهن القسم المأكول من الطعام أثر عودتهن الى الغرفة لا يلبتن أن يملأن المقام زغاريدا لان (خضر الياس) قد قبل النذر, وسيتحقق المراد. وكثيرا ما سمعنا عن البعض بانه حينما لاحظ النساء في طريقهم الى هذا المقام اخنفى في غرفة السر, حيث انه لا يحضر في الاماكن التي توجد فيها النساء. وبعد ترك الطعام في فناء الغرفة خرج من مخبئه ليشبع نهمه من هذه المأكولات ومن ثم يختفي ثانية. كما ويقوم البعض ممن يملكون الاغنام بجز صوفهم باعتبار ان موسم البرد قد انتهى عن الهبوب وحل الربيع. وكثيرة هي الغرائب التي تنسج حول مقام (خضر الياس) ومعظمها ما يشبه الاساطير, ويقال أن (الخضر) لا يُذكر في مكان إلا حضر ولهذا يقال فلان ﻜ(الخضر حاضر) - ((خزر حازر)), فهو شديد التوق للشؤون البشرية . والشائع لدى الاهالي حسب العرف الشعبي ان (خضر الياس) شخص مهاب تشع من وجهه الانوار الساطعة, يرتدي عادة ملابس غارقة في الاخضرار أو ناصعة البياض الى حد صارخ ويعلو راسه تاج مرصع يعكس انوارا ساطعة وبيده (علم أخضر). واحيانا قليلة يشاهدونه وهو يمتطي فرسه (الملحاء) التي بإمكانها ان تطوي الصحراء بلمح البصر وتطير بلا اجنحة وقادرة على السير برا وبحرا. ويقال بانه شوهد في منطقة هذا التل ثم غاب عن الانظار بطرفة عين . وشوهد في الكثير من المناطق وترك في كل منها آثارا دالة عليه, ومنها آثار اقدام فرسه (الملحاء) على منطقة كلسية في الجزء الجنوبي للتل لتكون شاهدا على كرامته ومعجزاته على مر السنين والعصور ودليلا على حضوره في كل مكان وزمان. كما ويعتبر من الاولياء (ييريشميش) مما جعله يتولى دائما وابدا حماية الفيافي والقفار في الصحراء والبادية من اجل تقديم خدماته لكل من يلوذ به أو ليغيث كل من يستغيث. فانه يبرىء المريض من الاسقام, ويساعد الذي سقط حمل دوابه في المناطق الخالية من المارة. ويأخذ بيد من أضل الطريق في الفيافي والصحراء, ويكون عونا لصاحب كل مكروه. فتنذر له النذور, كما توقد له الشموع وتمنح باسمه العطايا . ويظهر بأن التفاعل بين المأثورات الشعبية وهذا العيد قد انتقلت فيها الى الحياة الادبية ووجدت محالاتها الخصبة عند الشعراء الذين سنرى كيف تحدث الاستاذ الشاعر(رضا چولاق اوغلو), وهو من الشعراء التركمان الكبار المعاصرين عن هذا العيد من خلال قصيدته الخماسية التالية والتي لا يمكن الاستغناء عن معانيها, وهو يتكلم عن (خضر الياس) في ملحمته الرائعة المعروفة ﺑ((خضر الياس داستانى = ملحمة خضر الياس)) والتي توشحت باسم العيد نفسه وهذه بعض من مقتطفات أبياته الرائعة:-
(خضر الياس) بيزه قونش ياشيندان
نه لر گوردون نه لر گيچميش باشيندان
نوح طوفانى سليماندان عرشنده ن
عنقا قوشو قاف داغيندان خبر وير
آق ده ولرين ياطاغيندان خبر وير
...................................
(خضر الياس) بير ده رديم وار دييلمه ز ؟
بيلمه م نيجن قويونلا قورت يايلماز ؟
بويله اولا بو دنيادان دويولماز
هانى يالنيز آدى قالان اره نلر ؟
مالين دوستو ايله بولان اره نلر.
اكتفي بهذا القدر حفاظا لحقوق الشاعر الادبية.
0 تعليقات