عراق

دراسة لديوان الشّاعر التلّعفري الشّيباني وتحقيق الدّكتور رضا رجب لهُ



                                               عامر رضا رجب

لعلَّ المهتمّينَ بموضوع النّقدِ الأدبي و تحقيق التّراث ، يُدركونَ أكثر من غيرهم أنَّ الشّاعر التلعفري ، على ما ينطوي عليهِ شعرهُ من جمالٍ و تمكّنٍ و تنوّع ، لم ينل نصيبه من الدّراسةِ و الشّهرة ،  على الأقل في أيّامنا هذه . فهوَ على الرّغمِ من غزارة علومهِ و تنوّع فنونهِ لم يحظَ بما حظي َ بهِ غيرهُ من الشعراء المرموقين من سيطٍ و شهرة و لم يخضع شعرهُ للنّقد كما خضعَ شعرُ غيره ، علماً أنّهُ كانَ في مصافي أقرانهِ و شعراءِ زمانه .
 فشاعرنا التلعفري جابَ البلاد و قابلَ العباد وبرع بالضّاد ، و هوَ - كما سيرى القارئُ لديوانهِ – متعدّد الفنونِ و الموضوعات ، كتبَ بالمديح و الغزل و الحنين ، و ألّف بالشطرين و الأرجوزة و الموشّح ، شعرهُ عذبٌ سلس ، سهلٌ ممتنع ، جالسَ العلماء و نادمَ الملوكَ و الأمراء .

عاشَ التلعفري كما وصّفوهُ لنا ، لا كما يظهرُ من ديوانهِ ، متنقلاً بينَ المُدنِ والإمارات ، متردّداً بينَ الحلقاتِ و الحانات . فمن معاقرةِ الخمر إلى مخاطبة أولي الأمر ، و من مجالسةِ الشُطّار إلى لعب القمار . يكتبُ الشّعر و ينفقُ مكاسبهُ منهُ على ما ذكرنا ، حتّى أمسى خالي الوفاض كما يُستشفُ من سيرتهِ وشعره .

قلّما ترى شاعراً غير مضطّرب ، و لعلَّ تلكَ السّمةَ هي ما تفجّرُ عند أولئك العباقرة ينابيع الشّعرِ العذبة ، فتراهُ منساباً طيّب المنبعِ صافي المصبّ سلسَ المذاق .
 ولعمري إني لأغبطهمْ ، فكم في مكنوناتِ النّفس ما يحتاحُ إلى قريحةٍ شعريّة لتتفجّرَ بهِ ، فإن وُفِّقَ أحدهم _كشاعرنا_ إلى امتلاك نواصي الحروف و فازَ من القوافي بسلسال ، رأيتهُ يعقدُ من خريداتِ الدّهر ، عقودَ الجّمانْ . ويُلبسُ على مملّاتِ الجّرائد ، فريدَ القلائدْ . فيحوّلُ ما لو سمعتهُ من نادبٍ شاكي لكرهتهُ ، و لو سمعتهُ  من شاعرٍ حاكي لشكرتهُ : كقولهِ

حلفتُ بربِّ مكّةَ و المصلّى     يميناً أنّهم قد أوحشوني
فديتهمُ بروحي من أناسٍ        حفظتهمُ و لكن ضيعوني

فبربّ مكّةَ : أيُّ كلامٍ أنطقُ من هذا و أصعبُ من نظمه !؟

هوَ شهابُ الدّينِ أبو المكارم محمّد بن يوسف بن مسعود بن بركة بن سالم بن عبدالله بن جسّاس بن مسعود بن محمد بن خالد بن يزيد بن مزيد بن زايدة بن مطر بن شريك بن عمرو بن قيس بن شراحيل بن همّام بن مرة بن ذهل بن شيبان ، أبو عبد الله بن أبي المحاسن الشّيباني التَّلعفري الموصلّي .

ولدَ بالموصل في الخامس عشر من جمادى الآخرة سنة ثلاث و تسعين و خمسمائة    ، ومع أنّه شاعرٌ معروف مشهور النّسب إلّا أنَّ المصادر لا تعرف عن عائلتهِ إلا القليل ، و يبدو أنّ العائلة انتقلت إلى الموصل قبلَ ولادة شاعرنا.

أمّا عن عمل رضا رجب في الدّيوان ،  فقد قسّمهُ إلى مقدّمة و تحقيق و مستدرك و فهارس . وأسهبَ في كلّ قسمٍ منهم بما يعود بالفائدة دونَ أن يطيلَ على القارئ أو يُشعرهُ بالملل ، بل يأتي بالضروري للشرح و التبيين ، ممّا يضيفُ قيمةً علميّةً أخرى للمّادة الأصليّة .

من المحقّقين أو العاملين في مجال البحث العلمي ، من علماءَ و دارسين ، من يهتمّ بإخراج كتبِ التّراث ، سواءٌ كانت ديواناً أو موسوعةً أو نثراً أو غيره ، بصورةٍ جميلةٍ مضبوطة ، و منهم من يكتفي بشرح الكلمات المبهمة ، ومنهم من يُسهبُ في الشّرح ، و المحقّقُ منهم يقابلُ المخطوطات و يثبتُ النصوص . أمّا أن تجدَ هذا كلّهُ في عملٍ واحدٍ _ كما هو الحالُ هنا _ فإنّهُ ملفتٌ للنّظرِ ، فقد سعى رضا رجب جُهدهُ أن يكونَ هذا العمل متكاملاً قدرَ الإمكان ، و إنّهُ و إن كانَ لا بدّ من الهفواتِ و الهناتْ ، فقدْ وفِّقَ في ذلك إلى حدٍّ بعيدْ ، و إنّي أراهُ في مصافي الدّراساتْ. فقد أضافَ إلى كلّ ما ذكرناهُ من مهامّ الباحثِ ، رأيهُ الشّخصي ، وإن كانَ ذلكَ مذموماً في المتنِ فإنّه محمودٌ في الحواشي ، أوردَ الخطأَ و الصحيحَ و الأصحّ ، و أوضحَ مُبهماتهِ و ضبطَ مُفرداتهِ و بيّنَ مُشكَلاته ، فأخرجَ مرجعاً متكاملاً عن شعرِ التلّعفري .

يَفتَتحُ رضا رجب مؤلَّفهُ بالإهداء ، و من غيرُ حماةَ أميرهً يهُديها رضا رجب العملَ بقصيدةٍ يعارضُ فيها قصيدةَ صاحبِ الديوان: 

أحماةُ إنّ عهودَ أهلكِ أُحكمتْ    أسبابها عندي فليست تُنقضُ

يقول رضا رجب :

إن كنتُ أهديكِ الكتابَ فإنّما    تملي عليّ الواجباتُ و تَفرضُ
هوَ شاعرٌ جابَ البلادَ و لم يَجدْ    إلا ترابكِ من بهِ يتعوَّضُ

والتّلعفري قدْ رحَلَ و رُحِّلَ و تنقّلَ كثيراً حتى أستقرّ بهِ الأمر في حماة حيثُ ماتَ و دُفنْ  ، و كذلكَ رضا رجب الّذي يقول في خاتمةِ إهدائه:

فأنا و ذاكَ الشّاعرُ الثّاوي هنا   قلبانِ صدقُ هواهما لا يُدْحضُ
    للحبِّ في ما بيننا أسبابهُ   سيّانِ يقبلُ عاذلٌ أو يرفضُ

وبعدَ الإهداء شكرٌ و عرفان ، و أنا أذكرهُ على سبيلِ الوفاء للمرحوم رضا رجب و لأولئك الّذينَ شَكرهم : المرحوم الباحث وليد قنباز أرشدهُ لمخطوطة من القرن الماضي و حينَ طلبها من المرحوم الشيخ عبد الحميد ميكائيل لبّى طلبهُ ، فاقتنى نسخةً مصوّرةً منها ، وأهدى صورةً للمرحوم الشاعر عدنان قيطاز و أخرى لصديقه الأستاذ عبد الكريم محمد الّذي أسعفهُ بنسختهِ يومَ أضاعَ والدي نُسختهُ، ويصلُ الشّكرَ إلى الأستاذ علي العائدي الّذي كانَ مدير مكتبة الأسد آنذاك ، و الأستاذ فاروق المنجّد مدير المخطوطات فيها ، و لصلةِ الوصل معهم صديقهُ الشّاعر الإعلامي توفيق أحمد ، و للدّكتور يوسف عاد الأستاذ بالجامعة اللبنانية الّذي أرسلَ لهُ نُسخةً عن طبعة بيروت الثانية من مكتبة الجامعة الأمريكية ، وللعماد أول مصطفى طلاس الّذي جَلَبَ لهُ مخطوطة برلين ، وللدكتور عبد الولي الشميري سفيرُ اليمن لدى جامعة الدّول العربية حينها الّذي زوّدهُ بمخطوطات دار الكتب المصرية .

جاءت المقدّمة في ٦٠ صفحة بالإضافة إلى صورٍ من المخطوطات الّتي اعتمدها ، و قد اشتملت على دراسةٍ عن حياة التّلعفري و شعره ، و قد كانت كافيةً وافية ، تعجّ بالحواشي و التعليقات ، يدرسُ فيها ولادته و نسبه وتنقّلهُ ، و علاقتهِ مع الملوكِ و الشّعراء و ما جرى بينَهمْ من مواقفَ و مقالات . يقول رضا رجب :  ( إنّ قصّةَ رحلاتهِ المتلاحقة تصوّرُ لنا عدمَ استقرارهِ و قلقهِ في الحياة ، و تَضجّرهِ ممّا حولهُ و ممّن حولَهُ )ص٢١.     
  هذه الرّحلة استقرّت به في حماه كما يذكر المحقّق ( ليلقي هناكَ عصى التّرحال في ظلّ المنصور الثاني محمّد الّذي حكم حماه أكثرَ من أربعين عاماً) ولعلّ ذلك كان حوالي ٦٥٠هجرية .
الباحث يلفتُ النّظر إلى أنَّ التلعفري على الرّغمِ من طولِ منادمته و مجالستهِ لملوك بني أيوب إلّا أنّهُ لا يوجدُ لذلكَ أثرٌ كبير في شعرهِ على غرار ما كانَ يجري على لسان أدباءِ ذلكَ الزّمان من مدح الحكّام و وصفِ أحوالهم و انتصاراتهم ، كعماد الدّين الأصفهاني و ابن نباتة المصري و ابن حجة الحموي ، و لم يجدْ لذلكَ سبباً مع أنّ المصادرَ تُلحُّ على أنّ التلعفري كانَ شاعراً مدّاحاً ، إلّا أن يكونَ شعرهُ في المدحِ قد ضاع عن قصدٍ أو عن غير قصدْ .   
                                                                               ويقول رضا رجب ( إنَّ قصائده الطويلةَ الّتي وقفها للمدحِ و الرّثاء إنّما كانت في المرحلة الأولى من حياتهِ والّتي لا تتجاوز ٦٤٠ هجرية ويبدو أنَّ الشَّاعرَ مالَ بعدها للغزلِ الصّوفي والتغنّي بالخمرة الإلهية الّتي طالما ارتشفها من معاصراه _ وإن تقدماهُ كثيراً_ ابن الفارض و ابن عربي ، و مواطنه الفيلسوف المتصوّف الحسن السنجاري ، و على الرغم من اتهامه بالخلاعة و المجون إلّا أنَّ ديوانه حوى مقطّعات صادرة عن قلبٍ عامرٍ بالإيمان مفعمٍ بحبِّ الله مستغرقٍ بنشوةٍ ما بعدها نشوة مردّها إلى ثقتهِ بعفو الله الّذي هوَ مصدرُ الطمأنينة للنّفسِ المؤمنة).ص٢٣

يختتمُ الباحث هذا القسم بالحديث عن أواخرِ أيامِ التلعفري و وفاته في حماه سنة ٦٧٥هجرية .يقول:(جَهدتُ لمعرفة مكان إقامة الشّاعر في حياته و مثواهُ في مماتهِ فلم أتوصّل إلى يقين في ذلك ، و يذهبُ صاحبُ النسخة الظاهريّةِ أنّه تابَ و نادمَ صاحبَ حماة و توفي في قريةٍ من توابعها لجهة الغربِ منسوبةٍ لاسمه تعرف بتلعفر). 

يتابع رضا رجب : (ولقد زرتُ القرية المشار إليها وهي اليوم على بعد حوالي ٢٠كم غرب حماه وفيها قبة على ضريح يعرف بالشيخ محمد التلعفري ، تاريخ تشييد القبة حديث أما القبرُ نفسه قديمٌ مبنيٌّ من الحجر و الكلس وليس عليه أي كتابة تحدد تاريخه).ص٢٥

يذكر بعدَها الدّكتور رضا الملوكَ الّذين عاصرهم و يلخّصُ أحوالهُ معهم و أقوالهُ فيهم و هم في معظمهم من الأيوبيين . ينتقلُ بعدها للحديثِ عن خصائصِ شعرهِ و سماتِ فنّهِ ، يقول : (للتلعفري ديوان شعر عرفهُ الأقدمون و تناقلوه من جيلٍ إلى جيل و أشارَ إليه الرّواةُ بالحمد و الثناء ، و قد تنوّعت أشكال المدح التي سبغها الرّواةُ والنقّادُ على شعره ، فامتدحوه بالغزارة تارةً وبالنّظمِ على كلّ البحور وفي كلّ الأشكال وامتدحوه بأنّه نظمَ في كل الفنون من مدحٍ و هجاءٍ و وصفٍ وغير ذلك )ص٣٨ . و يوردُ قولاً لابن الشعّار : (وللتلعفري في كل صنفٍ من المنظومِ كالموشّحِ و الدوبيت والمواليّا و الرجز و المزدوج وكانَ و كانَ و غيرُ ذلك) . و من جميل تحقيق رضا رجب أنّهُ يستفيض في شرح و تعريف خصائص كل نوع ممّا ذكره ابن الشعّار. ويقول في حاشيته ( أنّ التلعفري نَظمَ المواليا بندرة ، وأمّا المزدوج و كان و كان ، فليس لهم أثر في شعره ) ومن أمثلة الدوبيت قوله الجميل : 

يا من شُبّهت في حُسنها بالقمرِ جودي لفتىً باتَ حليفَ السّهرِ
     بالله صِلِي فإنني في ولهٍ      أبكي أسفاً بأدمعٍ كالمطرِ

ومن موشّحاتهِ الجميلة ، قصيدتهُ التي ردَّ فيها على موشّحٍ للشاعر العزازي يمتدحهُ فيها . يقول التلعفري : 

     ليسَ يروي ما بقلبي من ظما    غير برقٍ لائحٍ من إضَمِ
                       إن تبدّى لكَ بانُ الأصرعِ
                        وأثيلاتُ النّقى من لعلعِ
                    يا خليلي قف على الدّارِ معي
                       وتأمّل كم بها من مصرعِ

وقد حقّق المرحوم رضا رجب ديوان العزازي هذا ، و هوَ مطبوعٌ ، و سنتناولهُ بالدّراسةِ لاحقاً إن شاءَ الله .

 ثمّ يسردُ رأي النّقّادِ فيه و يوردُ ما كتبهُ العلماءُ عنه ، منهم من عاصرهُ و منهم من أتى بعدهُ و هي كلّها حسنةٌ ، و يخلصُ إلى أنّ التلعفري كانَ لهُ ديوان شعرٍ نالَ شهرةً واسعةً و تداولهُ النّاس و أنّه كانَ مُكثراً و نظمَ في كلّ الفنون متقدّماً على أقرانهِ مُعترفاً لهُ بالسَّبقِ و كانَ شعرهُ في غايةِ اللطفِ والعذوبةِ و الحسن . (  كانَ راويةً لأشعار العرب حافظاً لأيامها و أخبارها ، كثيرَ المدحِ والهجاء ، رحّالةً كثير التنقّلِ لم يعرف الاستقرار).ص٤٢. و يعقّب رضا رجب على ذلك بالقول : ( إنّ هذا الوصف الذي وردَ على لسانِ أقرانهِ و علماء زمانه لا يتوافق مع ما وصلنا من ديوانهِ و هذا يدلّ على ضياع قسم كبيرٍ منه . كَثُرتْ الأخبارُ عنهُ أنّهُ كانَ سكّيراً مُدمناً مقامراً ، إلٍّا أنَّ البويني يقولْ: كانَ من الفضلاءِ قيّماً بالشّعرِ مقدّماً بهِ عند علماء عصره ، وهذا لا يتوافق مع الصورة التي رسمها رواة القدماء عنه و تابعهم فيا المحدثون من أنّهُ كانَ مقامراً.ص٤٣. اشتهرَ بأنّهُ مدّاحٌ هجّاء ولم يصلنا من هجاءِهِ سوى بضعة أبيات ، وأمّا المدح فليسَ بالكثير.)ص٤٤. ولعلّ رضا رجب قصدَ بهجاءِ التلّعفري البيتين الموجودين في الصفحة ١٩ عن مِصرَ ، وأنا لم أجد في الدّيوانِ غيرهما :

مالي و لمصر لا سقاها ربّي    غيثاً غدِقاً من سارياتِ السّحبِ
بالرّوحِ دخلتُها وبالقلبِ فلا     بالرّوحِ خرجتُ لا ولا بالقلبِ

هوَ شاعرٌ وقفَ شعرهُ للغزلِ و الخمرةِ و تمجيدِ الجّمال ولكن دونَ أن تجدَ في شعرهِ تهالكاً على الملذّاتِ والشّهوات أو خروجاً عن الآدابِ والحشمة.ص٤٤

في المدحِ اشتغلَ التلّعفري قصائداً في بعضِ بني أيوّب كما امتدحَ ولاةً و قضاةً و وزراءَ و شعراء. ولو عُدنا إلى قصائد المدحِ الّتي وصلتنا كاملةً لوجدناها جميعاً تخضعُ لأسلوبٍ واحدٍ ، فهوَ يبداُ القصيدةَ غالباً بالغزلِ و وصفِ الخمرة أو وصفِ الطبيعةِ أو الجمالِ أو الأطلال ، قبلَ أن يتخلّص إلى ممدوحهِ .ص٤٤ .
 يقول التلعفري في الملك الأيوبي العزيز محمّد غياث الدّين :

               جلَّ قدسُ الغياثِ عن أن يرى الخل
                   قُ لهُ في بني الزّمانِ رسيلا
                  يا مجيرَ العُفاةِ من جورِ دهرٍ                                                                                                                                                  لم يزلْ بالكرامِ فيهِ بخيلا

وهوَ يفخرُ بشعرهِ الّذي يراهُ يفوقُ كلَّ شعرٍ ثمَّ يوظّفُ هذا الفخر مرّة ثانية لصالح ممدوحيهِ كقولهِ:

   ليسَ فيها عيبٌ سوى أنّها ما    بلغتْ من صفاتكَ المأمولا

و يشيرُ الباحثُ إلى براعة التلّعفري في ما يسمّى حُسنَ التخلّصِ ، وهوَ أمرٌ تراهُ في كلِّ قصائدهِ المدّاحةِ ، ينتقلٍ بهدوءٍ و فنيٍةٍ من الغزلِ إلى المديح ببيتٍ يتولّى صدرهُ و عجزهُ مهمّةَ النّقلةِ المقصودة.ص٤٨. 
كقوله في العزيز محمّد:

           فليسَ كمثلهِ رشأٌ غريرٌ     ولا كمحمّدٍ ملكٌ أغرُّ

في الرّثاء لم يخرجُ التلّعفري عن نمطِ الرّثاء المعروفِ عندَ شعراء العصور الإسلاميّةِ المتلاحقة ، إلّا أنَّ المناسبةَ لم تمنع الشّاعر من استخدام المحسّناتِ اللفظيّةِ و البديعيّةِ الّتي شاعت في عصرهِ و الّتي برعَ فيها ، يقولُ في رثاءِ العزيز محمّد :      
                                              
 بملْكٍ لم يكن في المجدِ شفعاً     وليسَ إليهِ في كرمٍ شَفيعُ 

فقد استخدمَ الجّناسَ استخداماً رائعاً بينَ لفظتي (شفع) و (شفيع).ص٥٠ .

 عمّرَ التلّعفري طويلاً و ماتَ ممدوحوه و بقيَ حيّاً بعدَهم ، كالأشرف موسى و العزيز محمّد و الناصر يوسف والرّحيم بدر الدين و غيرهم ، إلّا أنَّ رثاءَ التلّعفري لممدوحيه أقلُّ بكثير من مديحهِ لهمْ ولا نعثرُ في ديوانهِ إلّا على بعض المراثي القليلة ص٤٩ .ومنها قصيدة طويلة في رثاء الملك الأشرف موسى : 

        أكذا تهدمُ المنونُ الجبالا    أكذا ينزعُ الحمامُ الصِّقالا
  كسفَ الموتُ شمسَ أفقِ المعالي  وأصابت يدُ المنايا الهلالا 

وهي قصيدة تفيض بالتوجّع و الحسرة .

الغزلُ و النّسيب نالا الحصّةَ الأكبر من ديوان التلعفري ، حيثما تلفتَّ تطالعكَ قصائدُ الغزلِ الّتي تفنّنَ الشّاعرُ في عرضها و تلوينها ، ووفِّقَ في ذلكَ إلى أقصى حدودِ التّوفيق ، وأتى على وصفِ مفاتنِ المحبوب بالصّفاتِ التي امتدحها العربُ في المرأةِ ، ثمَّ أتى على ما يكابدهُ من صدٍّ و حرمانٍ و تمنّعٍ لا يزيدهُ إلا هياماً ص٥١.

ما للفؤادِ إذا ذكرتكَ يخفقُ ؟  والدّمعُ من عيني يسحُّ و يدفقُ
 وإذا رأيتكَ فاللّسانُ نهى بهِ   خَرَسٌ وطرفي بالمدامعِ ينطقُ
   ما ذاكَ إلّا أنَّ قلبي موثَقٌ     بالأسرِ منكَ وأنّ دمعي مُطلقُ

يقول رضا رجب : ذكرَ التلّعفري أسماءً شتّى لمحبوباتهِ ، و مواطنَ كثيرة لتلكَ المحبوبات ، و أسماء هذه العشيقات و الأمكنة هيَ الّتي وردت على ألسنةِ الشّعراء المتصوّفين ، كلمياء و علياء و هند و  زينب ومي و ليلى ، والمحصّبِ و نجدَ و الغضا ، ونحنُ هنا لا نذهبُ إلى أنَّ التلّعفري كانَ شاعراً مقلّداً ليسَ أكثر ، بل نجدُ في شعره نفحاتِ الصّوفيّةِ الّتي عصفت بابن الفارض و البوصيري و ابن العفيف والمكزون السنجاري و المنتجب العاني.ص٥٢

  وسقى اللهُ ( بالثنيّةِ ) داراً     جمعتنا عل السّرورِ و ( ليلى )

ولأنّهُ شاعرٌ فيّاضُ المشاعرِ كثيرُ التنقّلِ انسحبَ غزلهُ على تصويره للأماكن الّتي زارها و فُتِنَ بجمالِ طبيعتها و هذا ما أدرجهُ رضا رجب تحت مُسمّى الغزل المادّي أو الواقعي ، كقصيدتهِ الرّائعة في دمشق : 

            سلّم سَلِمتَ على جيرانِ ( جيرون)  
          يا صاحِ عن مستهامِ القلبِ محزونِ

              وخُصَّ جامعها عنّي فكم جَمعت 
              أكنافهُ الشّملَ بالأحبابِ من حينِ

               ما أحسنَ الوقتَ أيّامَ الرّبيعِ بها
                     لنا و أطيبهُ أيّامَ تشرينِ

          والنّرجسُ الغضُّ قد أضحتْ محاجرُهُ 
              تحكي فتورَ عيونَ الخُرَّدِ العِينِ

وكانَ لذكرِ الخمرةِ أيضاً نصيبٌ في ديوان التلعفري ،  وقد تفنَّن في وصفها و شكرها ولونها و طعمها و مَجَالسِها و نُدمائها ، و يرى فيها مسليّاً له عن همومه و يفضّلها على كلّ شيئ . ويرى رضا رجب أنَّ غزليّات التلعفري و خمريّاتهِ ترجعان إلى مقصودٍ واحدٍ هوَ المحبوب الذي أسكر بجمالهِ و بهائهِ المتصوّفةَ أجمعين :

    فقم نخطب عروساً بنتَ كرمٍ    لها الأموالُ و الألبابُ مهرُ
   عجوزٌ قد أسنّت و هيَ بِكرٌ    و من عجبٍ عجوزٌ و هيَ بكرُ

ولهُ من مطلعِ موشّحٍ جميل :

               مُسفرٌ جاءَ بكأسٍ مُزِجت   في هنا السُّكرِ
              قالتِ النّدمانُ شمسٌ أُبرِزت   مع أخِ البدرِ
                أي ريمٍ ذي معانٍ أعجزت  دقّةَ الفِكر
              جاءَ بالكأسِ قبيلَ السّحرِ   قالت الأكياسْ
          طافَ بالشّمسِ شفيقُ القمرِ  في دُجى العسعاس

قبلَ البدءِ بتحقيق الدّيوان يُجملُ الباحثُ منهجهُ في التحقيق ، فيَذكرُ أوّلاً المخطوطات الّتي اعتمدَ عليها وهيَ ، نُسختي دار الكتب المصريّة و نسخة برلين و أربع مخطوطات من المكتبة الظاهرية و استأنسَ بطبعتين للديوان طُبعتا في بيروت .و قد تتبّعَ شعرَ التلّعفري في مظانّهِ وما لم يجدهُ مُثبتاً في الدّيوان أورَدهُ في مُستدركٍ ملحقٍ بالعمل . يقول رضا رجب : (ضبطتُّ النصَّ ضَبطاً كاملاً و إن رأيت خللاً نحويّاً صحّحتهُ و قارنتُ بينَ جميعِ النّسخ واعتمدتُ منها ما رأيتهُ أقربَ إلى أسلوب التلّعفري.)ص٧١.

 و قد أشار رحمهُ الله إلى هذه الفروق في الحواشي ، وممّا يُحسب لهُ أيضاً تمييزهُ بين السّهوِ و التصحيف و النّحلِ و التّحريف ، وبينَ ما يُمكنُ أن يكونَ روايةً أخرى للنّص .ص٧١. و أوضحَ مالو ضُبطَ كما جاء ، أو أُثبتَ كما ورد لاختلَّ الوزنُ أو تاهَ المعنى أو جانبَ أسلوبَ التلعفري:
يقول في الصفحة ١٣٩ ، تعقيباً على بيت :

             قلبي و طرفي على قتلي قد اشتركا                                                                                            أتنتهي عنكَ يا روحي و أنتَ هيَ

إنَّ صدرَ البيت تغيّرَ في أحد المخطوطات إلى ما يجعلهُ قلقَ المعنى مختلَّ الوزنِ ، وتغيّرَ العجزُ في مخطوطةٍ أخرى إلى : 
                     أتنتهي بعدُ يا روحي فأنتهيا

وهوَ بهذهِ الرّواية سليم المبنى و المعنى ، ولكنْ أثبتُّ هذا لأنّهُ أسمى وأعمق .
 و يقول في الصّفحة ١٩٧ ، تعقيباً على شطر :

                    يلاقي بي ظبا ذاكَ الصّريمِ

 وردت في أحد المخطوطات :
                    يلاقي ظبي ذاكَ الصّريم 
ولا يستقيم الوزن هكذا ولو قال : ( يلاقي ظبيَ ذيّاكَ الصّريمِ ) لاستقام الوزنُ و لكانت من الروعة بمكانْ ، ولعلَّ النّاسخَ حرّفَ ذيّاك لقلّةِ علمه بالعروض ). 

ومن تعقيباتهِ اللطيفةِ أيضاً ، ما وردَ على بيت :

      وحديثي بكم قديمٌ و حتّى   كحديثي لكنّهُ مخلوقُ

يقول : ( وفيهِ لفتة ظريفة ، فقد جانسَ بين حديثي و حديثي ، والأولى الشّيئ المستحدث أي ضدّ القديم ، والثانية الكلام ، فيقول حديثي المُستحدث قديم و كلامي أيضاً  قديم ، مشيراً إلى مسألة الصّراع الّذي أُثير في العصر العبّاسي عن كلام الخالق وقالَ بعضهم أنّهُ مخلوق ،  وهوَ يقول ، كلامي مخلوق أمّا كلام الخالق فلا ) .

قلنا أنّ التلعفري أكثر من المحسّنات ، و رضا رجب أكثر من التعليقات ، ولعلَّ ذلكَ يعودُ إلى اهتمام الباحث بعلمِ البديع ، فإنَّ هذهِ التّعليقات حملتهُ إلى فضاءاتٍ أخرى ظهرَت في أعمالهِ اللاحقة ، فإكثار التلعفري من المحسنات البديعيّة جعلتْ رضا رجب أكثرَ تعلّقاً بهذا النوعِ من الفنون ، فأخرجَ لاحقاً بديعيّةَ عائشة الباعونية ثمَّ بديعيّة  الشيخ عبد الغني النابلسي ، وإن كانت الأولى قد طُبعت في حياتهِ فإنَّ الثانية ستُبصر النّورَ قريباً ، بعدَ أن كانت يدُ القدرِ أسرع إليهِ من أن يُمسكَ (نفحات الأزهار) مطبوعاً بينَ يديه ، وقد أنجزهُ وهو على فراشِ الموتِ يصارعُ المرض . ثمَّ حملهُ هذا كلّه إلى (جنان الجناس) للخليل بن أيبك الصّفدي ، وهوَ أيضاً عملٌ مهم أنجزهُ والدي قبلَ وفاته وهوَ في طريقهِ للنّشرِ ، و غيرهم الكثير ممّا نضنُّ عن ذكره .

يقولُ التلّعفري :

   لم أزلْ مُكثِراً عليهِ السؤالا     و جوابا ما عندهُ لي سوى لا 
    كلّما رمتُ رشفَ معسولِ فيه    هزَّ لي من قوامه عسّالا ص٧٥

فوردَ في حاشيةِ الباحث ( لمّا ذكرَ معسولَ فيه ، أتى بعسّال للجناس ، والعسّال الرّمح شديد الاهتزاز والاضطراب لطولهِ . ) فانظر ما أجملهُ من تجنيسٍ و تشبيه ، و ما ألبَقهُ من تعقيبٍ و تشريح .

علماً أنَّ البيتَ الأوّل يحوي أيضاً بديعاً جميلاً عندما جانسَ بين (سؤالا) و (سوى لا) ، و هوَ يشتملُ على جمالِ المطلعِ و التوسّل و الجّناس . 

ويقول التلعفري في القصيدةِ نفسها : 

ألفَ اللومَ في الهوى و التجنّي  و أناجيهِ وهو موسى النّوالا

فيعلّق رضا رجب : (في عجز البيت نكتة ظريفة ، أفادَ فيها من اسم الممدوح (موسى) وهوَ اسم الملك الأشرف ، فورّى قائلاً على الاستغراب : إنّني أرجو نواله وهوَ موسى ، والموسى آلةٌ حادةٌ لا تُرجّى النّوال .) 
على أنّي أرى فيهِ توريةً أجمل في مناجاتهِ لموسى ، مستغرباً  لأنَّ (موسى) النّبي عليه السّلامْ ، كانَ المناجي ربَّه ولم يكن الُمناجى .

يقول التلعفري في بيتٍ بعده :

    كلّما زادَ في المعالي علوّاً    زادَ كيوانُ من علاهُ استفالا

والاستفال هوَ الانخفاض و النزول ، و كيوان زُحل .
يعقّب الباحث : إنّ التلعفري قد أخذ الكلمةَ من المتنبي الّذي يقولُ في أحد قصائدهِ : 

     وقالوا : هل يبلّغكَ الثّريا     فقلتُ نعم إذا شئتُ استفالا  

وإن كانَ التلعفري أخذَ في هذه عن المتنبي لفظةً ، فقد أخذَ في غيرها شطراً ، و هوَ في قولهِ : 

    بُحْ بالغرامِ فما يفيدكَ كتمهُ   بادٍ هواكَ صبرتَ أم لم تَصبرا

فعجزُ هذا البيت هوَ مطلع قصيدة شهيرة للمتنبي في مدحِ الوزير البويهي ( ابن العميد ).

وتأثّرُ التلعفري بالمتنبي سمةٌ بارزةٌ في شعرهِ ، حتّى كادت تكونُ مأخذاً عليه ، وإنَّ هذا الأخذَ من المتنبي لا أحسبهُ سرقةً  فقد كانَ أبو الطيّبِ شديدَ التأثير ، ذائع الصّيت ، شعرهُ أشهرُ من أن يُنحلْ . وقد علّقَ الباحث على ما أتى بهِ التلعفري من شعر المتنبي ، ومن أخبرُ من رضا رجب بشعرِ صاحبهِ المتنبي ، وقد أشار لذلك في مقدّمتهِ بقولهِ : ( وعندما كنّا نتجاذبُ الحديثَ حولَ الدّيوان كان ما فيه من سوءِ ضبطٍ وتحريف يُسيرُ أسفنا ، ومع تعاقبِ الأيام شُغلتُ عن التلعفري بغيرهِ ، وحسبكَ أن يكونَ المتنبي شاغلكَ لتنسى سواه ، وهوَ مالئُ الدُّنيا و شاغلُ النّاسْ ). على أنَّ هذا الانشغال و الاشتغال لرضا رجب عنّا و عن الدّنيا و عن النّاس تمخّضَ عن أعمالٍ ضخمةٍ و جدُّ مهمّةٍ لوالدي عن المتنبي ، فأوّل ما طبعَ تحقيقهُ لفسرِ ابن جنّي بخمسةِ مجلّداتٍ ضخمة على شرحِ أبي الفتح لديوان المتنبي ، أتبعهُ بقَشرِ الفسر للزوزني ، ثمَّ تفسير ابيات المعاني لابن جنّي ، ثمَّ الفتحُ على أبي الفتح لابن فورّجه ، ناهيكَ عن شرح الواحدي ، كلّها مطبوعة . 

إذاً ، كانَ التلعفري كثيرَ الاقتباس ، أفادَ من تنقّلهِ و تمكّنهِ و سعةِ مداركهِ ، في إنتاجِ قصائدَ فريدة تحملُ طابعهُ الخاص ، سواءٌ في المحسّنات ، أو الأشعارِ ، أو الآيات ، فقد كانَ تأثّره بالقرآن الكريمِ و سوَرهِ و قصصِهِ ، بادٍ في شعره :

    يبدو فيقولُ كلُّ من ينظرهُ     سبحانكَ ما خلقتَ هذا عَبَثا

( اقتبسَ العبارة من قولهِ تعالى "ربّنا ما خلقتَ هذا باطلاً سبحانكَ فقنا عذابَ النّار".آل عمران ١٩١).الحاشية ص٥١١
وغيرُ ذلكَ في ديوانهِ الكثير ممّا اقتبسهُ من آياتٍ كريمة و أحاديث شريفة و قصصٍ مشهورة و سيرٍ معتبرة و أمثلةٍ سائرة . وهذا يدلُّ على ثقافة الشّاعرْ ، كما يدلُّ التعليق على سعةِ اطّلاع المحقق.

من ذلكَ قولهُ :

        فيكَ يا كلَّ الأماني      (مجملُ) الحُسنِ (مفصّل)

والمجمل كتاب في اللغة لابن الفارس و الفصّل كتاب في النحو للزمخشري .الحاشية ص٤١٤.

ومن جميل تورياتهِ   :

  إذا كانَ لي من حُسنهم كلُّ   ربيعٍ فنومي في هواهمْ محرّمُ

أي إذا كانَ حُسنهم دائماً في عزِّ بهائه كالرّبيع ، فنومي محرّم لانشغالي بهم ، وفي البيت توريتان ، فالربيع و المحرّم أيضاً من الأشهر العربية. الحاشية ص٣٢٣

أيضاً قولهُ :

             لا غَرْوَ إن أضحى بقلبي نازلاً   
             في ربعهِ والقلبُ منزلُ بدرِهِ

إذ أنَّ القلبَ من منازل القمرِ الثمانيةِ و العشرين .الحاشية ص٣٣٧.

من قراءتنا للديوان و عمل المرحوم رضا رجب فيه نخلصُ إلى نتيجةٍ مفادها أنّهُ لا شكَّ من ضياع قسم كبير من ديوان التلعفري ، هذه النتيجة تطالعنا مع كلِّ تعليقٍ و حاشيةٍ ، فالتلعفري الموصوف بالمدّاح لا يقدّم لنا في شعرهِ ما يجعلهُ مادحاً ليسَ إلّا ، و هوَ وإن مدحَ البعض ، فإنَّ ذلكَ لا يطبعُ ديوانهُ بذلك الطّابع .

كذلك لم نجد في شعرهِ ما يعكسُ حياةَ المجون و العبث ، وإن ما ورد من أبيات لم يخرج عن المألوفِ في زمانهِ. أضف إلى ذلك أنَّ كثيراً من أنواع الشّعر الّتي قال ناقدوا زمانه أنّه اشتهر بها ، لم ترِد أبداً في ديوانه ، حتّى الموشحاتُ كانت قليلة . هذا وقد وصفهُ النّقاد بأنّهُ كانَ شيعيّاً مغالياً في حبِّ آل البيت ، لهُ في مدحهم قصائدَ طُوالْ و قد تتبع رضا رجب ذلك فلم يجد لذلك أثراً لا كبيراً و لا صغيراً في ديوانه إلّا بعضُ التلميحات القيلةِ و البعيدةِ جداً .

في النّهايةِ ، أكرّرُ الدعوة لقراءة هذا الدّيوان ، فإنّي لم أحط إلّا بجزءٍ يسيرٍ من جمالهِ و روعة تحقيقه ، ولو أردت إكثار الأمثلةِ لكانت هذه الدّراسةُ طويلةً مملّة ، فخذوا الجّمالَ من منبعهِ ، فإنّهُ ديوانٌ عظيم لشاعرٍ نحرير وعملٌ مضنٍ لباحثٍ كبير .

رحمَ الله الشّاعر التلعفري ورحمَ من كانَ سبباً لإعادةِ ذكره ، أعني الباحث رضا رجب الّذي يقول في نهاية دراستهِ:
(وبعدُ فهذا هوَ ديوان التلعفري أظهرهُ للنّاس بعدما طالت صحبتي معهُ ، غُيبتُ عنهُ وعاودني الحنين إليه ، حتى إذا شاء الله لهُ أن يظهر ، تيسّرَ لي من الوقت و الجهد ما مكّنَ من ذلك ، وإنني لأرجو أن يجدَ قرّاء العربية في هذا العمل ثمرةً طيّبةً و عملاً صالحاً و فائدةً و خيراً ).            انتهى.

إرسال تعليق

0 تعليقات