أذكر المرة الأولى التي سمعت فيها مُصطلح "فايخ" عندما كنت في المرحلة الابتدائية، حيث نعتت إحدى المعلمات زميلتها بهذا المصطلح وقالت لزميلتها الثالثة:
- "يمعودة عوفيها، هاي وحدة فايخة، ملاگية تاكل وتتباهى گدامنا."
وكُلما مرت الأعوام، بدأت أرى هذه المصطلحات تتجسد على هيئة بشر حولي. أسمعها على ألسنة المُقربين مني، وأحياناً أكون أنا من ينطق بها دون تردد لأريح عقلي من العنجهية الممارسة أمامي أغلب الأحيان.
مما لا شك فيه أن ظاهرة التباهي بكل ما هو مادي أصبحت منتشرة بشكل مرضي، وتتفشى داخل مجتمعاتنا لتتحول إلى ممارسات يومية وكأنها فروض إلزامية على الجميع الخضوع لها:
- إن كنت تريد أن تُحترم، فاشترِ العطر ذو العلامة التجارية الفلانية.
- عليكَ أن ترتدي ثيابًا باهظة الثمن كي تبدو من ذوي الطبقة المُخملية.
- أيعقل أنك حتى الآن لم تقتنِ ساعة روليكس أصلية؟
يمكن للكثيرين أن يكونوا فريسة سهلة للنصب والاحتيال أمام هذه الجُمل، كأن يشتري أحدهم سيارة حديثة بينما سقف منزله يكاد ينهار فوق عائلته دون ترميم، أو أن تشتري إحداهن حقيبة بسعر خيالي.
دون أن تعلم سبب اقتنائها لهذه الحقيبة من الأساس.
فتراها لا تتوانى عن جعل هذه الحقيبة شغلها الشاغل، بل تكون محتواها على وسائل التواصل الاجتماعي، وكأن الحياة اختزلت بين خيوط هذه الحقيبة التي ليست محط اهتمام الكثيرين غيرها.
من المؤكد أن هؤلاء الأشخاص يفتقدون إلى التوازن النفسي، ويلهثون وراء المثالية الزائفة والظهور المُلفت المؤقت. تبدو حياتهم من الخارج ذات نمط فاخر، لكن ما إن تدخل بين أسوارها حتى ترى عدد الشروخ الهائلة في شخصياتهم.
يرجع السبب في هذا الأمر إلى عقدة النقص والرعب الذي يطاردهم من الخروج أو الطرد خارج القطيع. الخوف من النظرة الدونية التي قد تُرمقهم إن لم يكونوا ضمن الصفوف الأولى في هذه المهزلة البشرية. والوحدة الموحشة الناتجة عن عدم الانتماء لما ينتمي إليه سكان العصر الذي وُلدوا فيه.
لن يكتفوا بهذا القدر، بل سينشرون هذه "الفشخرة" لتصبح وباءً يُهدد المجتمع والأسرة.
مما لا شك فيه أن من أخطر الأمراض التي تُفسد المجتمعات هو التباهي بما لا تملك، فتتنامى السطحية، وينشأ جيل ناسيًا القضايا القومية والدينية، ومسكونًا بركضه خلف الآخرين ليجد احترامه وقبوله في أعينهم، ومن ثم يتقبل ذاته لفترة مؤقتة حتى تظهر ماركة جديدة.
ليلْهثوا وراءها.
إن الترفيه عن النفس شيء ضروري، ومكافأة الذات شيء ضروري، لكنها ليست منافسة.
يقول محمود درويش: "بالأمس كنا نفتقد للحرية .. اليوم نفتقدُ للمحبة .. أنا خائف من غدٍ لأننا سنفتقد للإنسانية."
0 تعليقات