عراق

بين الماضي والحاضر



بقلم نوران ارسلان 

عندما كنا نحتاج إلى الخبز، نجد أمهاتنا يتسابقن إلى التنور الطيني أو الغازي، ونحن نحوم حولهن فرحين بلذة الخبز ورؤية الأم البطلة التي تتعامل مع النار بإحترافية عالية لتصنع رغيفًا شهيًا. وتذكرت جدتي التي طالما حكت لنا قصصًا كثيرة ونحن جالسون حولها في ليالي الشتاء. كنا نرى قطعًا فنية مصنوعة بالصوف أو تطاريز ناعمة حِيكت بالحب، وكم أُغرمنا بلبن الجارة وتسابقنا للشراء منها. 
كانت حياتنا بسيطة لكنها مليئة بالأوكسجين، فلا يدخل بيوتنا كلام هابط، أو غير أخلاقي ، كانت تلك الكلمات يتهامس بها الكِبارُ اضطرارًا ويتركوننا ننعم بالنقاء.

كانت عيوننا براقة وبريئة، وضحكاتنا مؤدبة. والطبيعة أعظم مغامراتنا. أما اليوم، فالأمهات قبل أن يصلن إلى الأربعين قد خارت قواهن، وأصبح التكساس والبوتكس وامتلاك قطة صغيرة أكبر اهتماماتهن، فاقدات الذاكرة تجاه أولادهن. فلا بطلات يخبزن الحياة لنا، ولا صوت كصوت جدتي وهي تحكي قصصها العظيمة. فأعظم قصة نسمعها الآن هي لشخصيات صنعت على مواقع التواصل، وأصبح أبطالها يسمعوننا أصواتهم وتصرفاتهم النشاز، ولا توجد حدود للكلمات والتصرفات داخل بيوتنا، فالمحتوى الهابط في متناول أيدي الأطفال قبل الكبار.

اختفى بريق أعيننا فهي ذابلة من السهر خلف كيبورد منهك من خدش الحياء وتغير المبادئ. وما عاد للجارة مكان بيننا، أصبحنا نرد السلام بمشاهدة ما نراه في ستورياتهم. وأصبح المول أكبر إنجازاتنا، نتسابق لدخوله ونستنشق ثاني أكسيد الاستهلاك، فلا مروج تحت أقدامنا ولا هبة نسيم منعشة.

أصبحنا نحيا بلا حياة كروبوتات. فلا تصدق بعظيم في زماننا، فكل الأبطال أساطير كانوا جداتنا وأمهاتنا وآباءنا، أما اليوم فأعظم إنجاز أن تصبح ترند بلقطة تافهة.

إرسال تعليق

1 تعليقات

  1. راااااائع كلام يحسك بالحنين للماضي

    ردحذف