عراق

الشهيد محمد إبراهيم محمد الملقب بـ محمد قورقماز

 


يازار ابراهيم قصاب
.
 ولد عام 1934 في محلة إسماعيل بك بقضاء كفري التركمانية حين كان تابعاً لمحافظة كركوك, من عائلة تركمانية متدينة وكان جده الاسطة محمد من خيرة أسطوات البناء في كفري, درس الابتدائية والثانوية في كفري ثم اكمل دراسة معهد إعداد المعلمين وتخرج عام 1955, صاحب نظرة ثاقبة الى الامور والمجريات السياسية, متنباء ومحلل جيد للاحداث التي جرت وما تلي تلك الاحداث من تطورات ومجريات, قراء التاريخ التركماني جيدا واضطلع فيها. 

في عام 1956 اصبح معلماً في تربية كركوك ونسب إلى مدرسة ابتدائية في قضاء داقوق, وفي عام 1957 نقل الى قرية بلاوة واصبح معلما في مدرسة ابتدائية, وفي 1959 طلب بنفسه ان يتم نقله إلى مدرسة هجري د ه ده في منطقة المصلى بكركوك, وفي عام 1966 نقل إلى مدرسة اق طاش الابتدائية حتى عام 1978.

عند دخوله الى الصف يبداء اولا بالتحدث عن عظمة التاريخ التركماني في العراقي ويشرح لطلابه ان التركمان ينحدرون من السلالة السلجوقية العظيمة ويشرح اهميتهم ودورهم في التاريخ المعاصر, واهمية كركوك سواء انذاك وفي الحاضر والمستقبل وكيف ان اعداء شعبنا يتربصون للنيل من هذه البقعة عن طريق ابعاد التركمان منها, عرف التاريخ السومري وانهم اصل التركمان في العراق, وانهم اول من طور العلم في منطقة ميزوبوتاميا نزولا الى حدود شط العرب, واجاد تاريخ العظماء التركمان اللذين كان لهم الدور البارز في انشاء مرافق حيوية في دولة العراق من ضباط وعلماء وعباقرة وشعراء.

شارك شهيدنا المناضل في الإضراب الطلابي عام 1971 في كركوك وكان احد القادة المتميزين في المظاهرة, وكان يمتاز بالصفات الحميدة و الأخلاق العالية والروح الوطنية والقومية وكان يحث الشباب التركمان على الحفاظ على الوجود والهوية القومية ولغتهم الأم التركمانية, كان ينصح طلابه بالاقتداء بسلاطين العصر الاسلامي من العثمانيين وكان هو القدوة لطلابه وإن مربياً غير قدوة ككاتب على الماء لا يرى لما يكتب أثراً، فلا وعظه ينفع ولا كلامه يسمع ولا توجيهاته تنفذ، كان محمد قورقمازالنور الذي يسير على هداه طلابه, وما كان همه المال او الجاه او الشهرة بل كان همه الاكبر ان يتحرر شعبه من قيود التعبد وكيد الكائدين لهم, كان متواضعا الى درجة ولكن غيورا على اهله وشعبه كثيرا, يتصف بالوقار والعلم والمعرفة وكان يتصف بالحلم والأناة و الرفق واللين والرحمة والابتعاد عن الغضب و الليونة والمرونة وأخذ أيسر الأمرين ما لم يكن إثما والاعتدال والتوسط والتخول بالموعظة والقدوة الحسنة وعدم مخالفة الفعل للقول والعلم والأمانة والقوة والعدل والحرص والحزم والصلاح والصدق والحكمة.

كان ينصح طلابه بجدية لو ان موقفا محرجا صادفهم مع الامن او الشرطة فليلقوا اللوم عليه وان لايخافوا, ويقول دائما انا شخص واحد قد أكل عليه الدهر وشرب ولكنكم رجال المستقبل وقادة الشعب فلا تلقوا بأنفسكم الى اية تهلكة, ولم يكن يقبل باي شكل من الاشكال ان ينتمي طلابه الى صفوف حزب البعث الحاكم انذاك مبررا هذا الشيء بانه حزب جائر يظلم العراقيين عموما ولايمنحهم الحرية ويقيد كل الافكار النيرة ويقضي عليها ولايسمح ان يعبر كل شخص عما يختلج في صدره من مشاعر تجاه قوميته ووطنه وكان يصر اصرارا عجيبا ان الحكومات العراقية كلها تعمل من اجل الاجنبي الذي يريد ان يستعمر هذه الارض التي عاش عليها اجدادنا, كان متاكدا انه سيقبض عليه يوما ما ويعدم ولكنه لم يكن يكترث للامر لانه استطاع ان يزرع افكاره القومية في جيل يحب وطنه وقوميته وينبذ الطائفية والمذهبية. 

ينصح طلابه ان يتحدوا ويعتصموا ويتوحدوا حتى لايظفر العدو بهم ولا يتغلب عليهم, كان لديه أهداف واضحة، ويعمل بخطة واضحة و منهاج سليم مع لمسة من الإبداع, ما كان ينتظر ردة فعل ايجابية فورية أو عبارات الشكر و الامتنان من الطلاب أو ذويهم فقد كان يعلم ان تأثيره عليهم سيرافقهم مدى حياتهم, كان يلتزم الحقيقة قولاً وعملاً، وصادقا بعيدا عن الرياء في العبادات، والفسق في المعاملات، وإخلاف الوعد وشهادة الزور، وخيانة الأمانات, كان كمنارة العلم التي تضيء الطريق أمام الطلاب بالعلم والمعرفة ويسهل لهم الطريق لمعرفة الحق ويغرس فيهم العلم النافع الذي يرفع عنهم الجهل, فقد كان أبٌ وصديق يسمع طلابه ويعاملهم كأبنائه يحنو عليهم فهو الأب الحاني ويأدبهم فهو المؤدب الذي يربيهم على الأخلاق الحميدة وهو الصديق الذي يسمع شكواهم ويفهم مبتغاهم, كان وسيظل دائماً العمود الفقري لارتقاء الشعب التركماني سواء داخل الوطن اوخارجه، أجل هو بحق حجر الزاوية في بناء السياسة الحقيقية والاتعاض بمسيرتهم والسير في سيرتهم النقية الصافية، فهو العنصر الفعال في ديمومة مكاسب فعلية ومستمرة للشعب حتى بعد استشهاده، وتكوين البذرة الصالحة من شباب الامة وزرع الافكار النيرة داخل ادمغتهم، فهو كان المرشد الصالح لإثارة دافعية طلابه إلى التعلم الذاتي للسياسة والرغبة في الاعتماد على النفس والاكتفاء بالمصادر المتوفرة حتى وهو داخل السجن,ومهما تطورت تقنيات الترعيب والترهيب، وتنوعت الأجهزة القمعية وتعددت وسائلها، لم يكن هناك امر يمنعه من نشر افكاره القومية او العلمية هناك، وحاول ترسيخ مبادئ التربية السلوكية لديهم، وبناء شخصيتهم، وإثارتهم في مواصلة التعلم الذاتي الاستكشافي في اكتساب خبرات الحياة المتنوعة ، وفهم الحقائق العلمية الأساسية لحرية الانسان, وتكوين الميول والاتجاهـات السليمة في تفهـم متطلبات الحياة المعاصرة، والتفاعل مع تقنياتها الجديدة،والتعامل معها، ثم المشاركة في البناء وتطويرها بمهارة وإبداع, ومع تعليمه لمن حوله كل هذه الامور فقد كان بنفسه ايضا على تواصل دائم في الاستزادة من ميادين العلوم المختلفة ليكون معلماً حقاً وحقيقة فكان ينهل من كل منهل علم يجده متاحا امامه، فهو الفنان البارع الذي يعمل بعقله، ويتفاعل مع اصدقائه بقلبه العطوف، ويتحرك في حيزه بتصرفاته الماهرة ويتحاور بلسانه العذب مع اطرافه بحب وتقدير، ويرشدهم بخبراته التربوية والعلمية ويوجههم برسالته الدينية والدنوية والقومية بكل إخلاص ليتم على يديه تكوين الناشئة الصالحة، وبناء الجيل القوي، المتدرع بالإيمان والعلم والرسالة والعمل في الحياة، فهو بعمله المقدس هذا قد ادى رسالة تربوية مقدسة، ومهنة حياة كريمة مستنيرة بهدى الأنبياء.

صدر منه فكرة انقاذ التركمان بعد ان ناقشه مع شخصيات ووجهاء التركمان في عموم العراق, وكان له تنظيمات سرية في كل من تلعفر, موصل, اربيل, كركوك, طوز خورماتو, تازة خورماتو, داقوق, كفري, صلاح الدين, والقرى التركمانية ولم تعرف معلومات تلك التنظيمات لحد الان لشدة سريتها. 

كان مراقباً من قبل الاجهزة الأمنية , في عام 1978م نفي إلى قضاء فلوجة نظرا لنشاطه القومي, وبعد سنة اي عام 1979 نقل الى ناحية سليمان بك التابعة لقضاء طوز خورماتى ليتم هناك القاء القبض عليه إثناء الدوام الرسمي في مدرسته ثم نقل إلى رئاسة المخابرات العامة في بغداد, بتهمة التجسس لحساب دولة اجنبية او ما كان يسمى وقتها بالطورانية , حيث كان وقتها معلما في مدرسة بكركوك وموظفا في الدولة يتقضى راتبا شهريا , حيث تم ايقاف راتبه منذ ذلك الحين , حيث قضى المرحوم ستة اشهر في منظومة امن كركوك , وخلال تلك الفترة استمر رجال الامن انذاك بمداهمة منزله كل يومين وباستمرار بحجة البحث عن دلائل ومستندات ومستمسكات تؤيد انتمائه الى جهة اجنبية. 

وكانوا يسرقون كل ما تقع تحت ايديهم من اموال ومسوغات ذهبية وقطع غالية الثمن في البيت, حيث ان زوجة الشهيد كانت قد وضعت مبلغ (15000 دينار عراقي ) خمسة عشر الف دينار عراقي سويسري وهو مبلغ ضخم انذاك, وضعته بين صفحات القران الكريم لمنعهم من اخذه, فاذا بهم يجدون المبلغ ويلقون بكتاب الله الكريم على الارض , كما وجدوا مسوغاتها الذهبية داخل علبة معدنية محكمة , ليكسروها ويستولون عليها حيث كانت تضاهي الكيلو غرام من الذهب واللؤلؤ وكان بينها خاتم مرصع بالالماس جلبه الشهيد لها من خارج العراق خلال سفراته, حيث دعى زوجة الشهيد عليهم عند القائهم القران على الارض بان قالت الله ينتقم منكم بجاه هذا القران , فرجعوا الى ضربها واعادة البحث مرة اخرى ليجدوا الساعة الخاصة بالشهيد والذي كان غاليا جدا ويعمل على نبض قلب الانسان , بعد مدة الستة اشهر الذي قضاها المرحوم في امن كركوك تم ترحيله الى سجن ابو غريب , وبعد خمسة اشهر اخر تم ابلاغ عائلته من قبل منظومة الامن بان عليهم استلام جثته بطريقة مقرفة وخارجة عن الاعراف الانسانية حيث رد العائلة على هذا الاسلوب بالشتم والقاء حجر على منتسب الامن الذي اهانهم بكلامه فجاء الحجر في جبهته ليقوم الاشخاص القادمين بضرب العائلة دون استثناء و بشكل لايخطر على بال انسان علما ان اولاد الشهيد كانوا صغار العمر انذاك وقبضوا عليهم وساقوهم الى الامن حيث قام احد الجيران انذاك بالتوسط لاخراجهم بعد ايام عبر علاقاته .
 
بعد اعدام الشهيد عانت العائلة من مضايقات منتسبي الامن المستمر سواء في المنزل والمنطقة والمدرسة بحيث كان المعلمين والجيران يتجنبون النظر اليهم او منحهم درجات في الدروس خوفا من منتسبي الامن , فيما استمر التبليغات بان جميع ممتلكاتهم تم مصادرتها لحساب الدولة فيما ياتون كل يوم لجرد موجودات المنزل لساعات طويلة بحيث كانوا يجردون حتى حشائش الحديقة , كان الشهيد رحمه الله قد اثث المنزل منذ شهرين تقريبا بافخر الاثاث وجميع مستلزمات المطبخ من النوع الفاخر والملاعق والسكاكين مصنوع من الفضة بالاضافة الى الموبليا الفاخر الذي صنعه انذاك النجار المشهور في كركوك (شكر نجار) , في 1982 تم اخراجهم من المنزل بملابسهم فقط , حيث سلبوا الخواتم والتراجي التي كانوا نلبسونها, كما استولوا على السيارتين الخاصتين بالشهيد احداها شوفرليت والاخر فولفو استيشن موديل نفس العام, وبعد ان سلبوا لانفسهم ما وجدوه انه ينفعهم فتحوا ابواب البيت للناس ليقوموا باخذ ما يريدونه حيث قام الجيران انذاك بسرقة المنزل امام اعين عائلة الشهيد من ستائر ومستلزمات وحتى سنادين الزهور والمفروشات الايرانية الغالية .
 الابن الكبير للشهيد (ابراهيم قورقماز ) ايضا كان مسجونا في ابو غريب وبعد ان تم الافراج عنه سيق الى العسكرية ويوم سوقه جاءت مفرزة امن لالقاء القبض على زوجة الشهيد بتهمة انها دعت عليهم يوم القوا القران على الارض وان دعوتها هي السبب في حرب العراق مع ايران , كان الارهاب السمة الاساسية لتعاملهم معهم رغم انهم اطفال , والصقوا بهم تهمة اولاد الخائن, تم الاستيلاء انفا على الاراضي التي آلت الى الشهيد من والده في منطقة كفري وهي لحد الان تحت سيطرة اناس اخرين يرفضون ارجاعه اضافة الى الطاحونة والمنازل هناك, استمر الحال على هذا المنوال حتى هروبهم من العراق.  تقول ابنة الشهيد ... بقى كل ممتلكاتنا في ايدي ناس لاتمت لهم بنا اي قرابة رغم انها لنا , لقد قاسينا من ظلم النظام السابق مالا يخطر على بال ولا يتخيله انسان حيث تم منح منزلنا الى احد عناصر الامن السابق المدعو فخرالدين (فخا كور) في كركوك , قدمنا الاوراق المطلوبة لتعويضنا ولكننا لم نستلم لحد الان اي تعويض عما تعرضنا له . بعد القبض عليه كان بارزان التكريتي يشرف على قضايا التركمان السياسية وأحيل إلى محكمة الثورة السيئة الصيت وفي تموز عام 1980 حكم عليه بالإعدام مع مصادرة امواله المنقولة وغير المنقولة, قد قال للحاكم الذي نطق عليهم بالحكم بالاعدام (( انتم لاتساوون شيئا امامي سواء شخصكم او قراركم وكانني بها قد اقتلعت سنا من فمي, ثم اخرج سنه ورماه عليهم)), وبعد ان تم تسليم جثته الى اهله فقد كانوا قد فقعوا عينيه وقطعوا قطعة من جلد معصمه حيث كان منقوشا عليه الهلال والنجمة,  اليوم يتم تسمية مدرسة في كفري باسم الشهيد متمنين ان لاتكون مثل الشارع الذي حمل اسمه اسبوع واحد ثم اتلف القطعة الدالة لتضيع اسمه .رغم ان اسم الشهيد محفور في قلوب الشرفاء من التركمان دائما, رحمه الله وجعله في قافلة الشهداء ومَنَ عليه بالرحمة والمغفرة واسكنه جنات الخلد.

إرسال تعليق

0 تعليقات