عراق

الحلقة (عشرون) بقلم وجدي نيازالدين اكبر






أحيانا المرء يجامل مع الذي يقابله بالأحسان من شريحة الشباب فيقول له(خدمناك يوم عرسك) وبالأحرى يوم الزواج وهو يوم جعل الله فيه المودة والرحمة بين الزوجين وكذلك يوم مماثل ليوم العيد في السعادة حيث فيه تلتقي الأحباب والأقارب الذين يقدمون من كل حدب وصوب لللأحتفال بعرس الزوجين حينئذ تسر وتقر الأعين برؤية الأحباب كماتنص الخوريات التركمانية بأروع تصويرها انها تقول:
يارا كوز له ر
طبيبله ر يارا كوزله ر
بير طوي أولسون بير بيرام
طوخ باخسين يارا كوزله ر
مفادها: (لاتسعد القلوب ولا تشبع الأعين من رؤية الأحباب الا في الأعياد والأعراس) ، وما يزيد العرس بهجة وسرورا تلك الوليمة التي يقيمها صاحب العرس للمحتفلين وهي ايضا تديم الأواصر بين الأحباب وعليها يؤكد الأسلام على لسان نبيه الأكرم محمد (ص) أنه قال:-
(لاوليمة الا في خمس : عرس أو خرس أو عذار أو وكار  أو ركاز) واليكم معانيها: العرس:التزويج ، خرس : مولود جديد(النفاس بالولد) ، عذار: الختان ، وكار:شراء أوبناء بيت جديد ، ركاز: الشخص الراجع من الحج ، الزواج هو حق من حقوق الولد على الوالدين فعلى الشباب الذين سنحت لهم فرصة الزواج ببركة الوالدين أن ينتهزوها والا ستمر مر السحاب  ولا يجدي الندم بعدها أبدا ، يحدثنا القدماء بمجريات الأعراس في مدينتنا طوز خورماتو خلال السنين الثلاثينيات حتى الخمسينيات من القرن المنصرم (القرن العشرين الميلادي) وهي تعتبر الفترة الذهبية لأهالينا في مدينتنا طوز خورماتو وهم منعمين بالأمان والأستقرار وسعداء فيما بينهم اثر علاقات وطيدة من المحبة والايثار بعيدين عن مكر السياسة والعنف والأستغلال والخيانة وكانت جديلتهم خاصة في احياء العرس وهم يتهيأون من منتصف الأسبوع لأتمام حفلة العرس ويبدأون من ليلة الأثنين على الثلاثاء كتابة رسائل الدعوة اذ تجتمع النخبة المثقفة من الأقارب ومن شباب المحلة من حاشية العريس في بيت العريس والذين لا يتجاوز عددهم عن (10) أفراد فيكتبون رسائل الدعوة البالغ عددها (300)رسالة واليوم التالي يقومون بتوزيعها الى المدعووين من الرجال ، بينما النساء اما من القريبات اومن نساء المحلة من بيوت الجوار فكانت تبدأ من يوم الثلاثاء من الفجر بتخبيز الخبز على(الصاج) على الموقد حتى مغيب الشمس ولربما العملية لاتكتمل فتتكرر يوم الأربعاء لأنهائها أما يوم الخميس فيسمونها يوم الحناء وهو يوم خاص لأحتفال النساء وتبدأ الحفلة عصرية يوم الخميس اذ تذهب مجموعة من النساء العائدة للعريس الى بيت العروس لجلب الحناء المخمرة وتتبارك للعروس على يومها الأغر أما يوم الجمعة وهو يوم العرس حان الظهر تقام مأدبة الغداء للمعزومين من الرجال اشتهرت في تحضير الأكل من النساء كل من(قره خيرية ، آشجي حليمه) رحمهما الله  وفي عصريته في أوان مجيء العروس يرتقي العريس مع أثنين من مساعديه مايسميهما بالتركماني(صاغدوج) سطح الدار وهم ينتظرون جوقة المطبلين والمزمرين القادمين وبصحبتهم العروس سيرا على الأقدام وسط هلاهل النساء ودبكات المحتفلين تتخللها دبكة المبارزة بالسيف وكان من الملمين للدبكة آنذاك كل من أحمد بربر ،جعفر مختار ، نامق قاضي توفيق رحمهم الله ، ولاننسى دور امرأة كانت تؤجرها العروس ماتسمى بالتركماني ب(ينكه) وترافقها في السيارة وتنزل معها الى بيت الزوجية وترتب غرفة العروس وتعلمها أصول ومفاهيم ليلة الدخلة بطريقتها الايجابية ثم مثل تركماني يقول(كه لين آتا منينجه ياقسمت) ويعني (قسمة العروس تكمن حال ركوبها صهوة الفرس) فماذا أقول اذا العرس تحول الى مأتم عقب امتطاء العروس ظهر الفرس يحكى قصة شاب أسمه(مسيب مختار)وهو شقيق لكل من(نوري- جعفر- أمين) من آل مختار قد وافاه الأجل في زفافه أثناء دخوله غرفة العروس وشاء القدر ألا يتم الزواج حتى بعد توفر كل شروطه ، شتان بين عرس الأمس وعرس اليوم في مدينتنا (طوز خورماتو) عرس الأمس كان يقام بكل معانيه وبأدق تفاصيله لطيبة أنفسهم مثلما يقول المثل الشعبي (اذا النفوس طابت غنت) أما اليوم لم يبق من العرس الا أسمه بعدما مدت يد الأرهاب الى مدينتنا متذ الأحتلال الأمريكي لبلدنا العراق في نيسان2003م والى يومنا هذا فعاثت خرابا ودمارا في كل أرجاء مدينتنا وطالت بأرواح خيرة أصلائها من التركمان الموالين لآل البيت عليهم السلام حتى بلغ عدد شهدائنا أكثر من (2000) شهيد قضلا عن طابور من الثكالى واليتامى حتى صار من المعيب على المرء أن يطلق كلمة العرس من لسانه ومدينته تنزف دما فانغلقت كل أبواب الفرح على وجوهنا وسرقت الأبتسامة من محيانا وشفاهنا ومن بين االشهداء الذي راح ضحية العملية الأرهابية اثر انفجار سيارة مفخخة بجانبه وتناثرت أجزاء جسمه جرائها ولم يدفن من رفاته الا جثته الرمزية بتابوته الا وهو الشهيد قنبر زين العابدين حسن  الملقب ب(قنبر عاشق) يعد من أحد رموز الفن  في علم القراءة والتغني  بالمقامات والخوريات  بكافة أصولها أرتحل من دنياه عن عمر يفوق 70عاما في مطلع عام2014م  انه من مواليد 1930م من أبوين تركمانيين في مدينة طوزخورماتو وهو أب لولداه: حامد ،حمدي مع أربع بنات  لقبه(عاشق) ينحدر من جده (عاشق رضا) الذي كان عاشق لأهل البيت عليهم السلام وليس من عشاق غرام كما يتوهم البعض وكان درويش عصره على الطريفة البكتاشية ومختار محلته آنذاك ومن خيرة جلسائه الملا دده غائب وهو المدفون بجواره في تكية دده غائب ، نشأ (قنبرعاشق) في عائلة  من هواة الشعر والأدب أولاد أعمامه من الشعراء هما(علي رضا عاشق) و(فخري حسين عاشق) ، تصادف لقائي في أحد الأيام مع الأستاذ الفنان عبدالأمير قزانجي أفتخر به كان أستاذي في المرحلة المتوسطة وفي عين الوقت كان مولع بالغزف على آلة(صاز)بالتركماني ودار الحديث بيننا حول الفنان (قنبر عاشق) وقال:- قنبر كا نجما متألقا في ساحة الغناء وكان يمتلك صوتا عذبا وأخلاقا رفيعة وروحا خفيفة ومحبوبا لدى أقرانه وجيرانه وكان موضع ثقة  تهوي اليه الأنفس وأي عرس لايحضره قنبر يكون عرسا ناقصا وأنا صلتي ب(قنبر عاشق) رحمه الله انه الخال الوحيد لزوجتي كذلك كان صديق والدي  كنت سامع عنه انه فنان محنك ودارت الأيام  وحل قنبر ضيفا عندي في محل عيادتي الخاصة من خلال الحديث سألته عن شبابه وعن قابليته الفنية وعن مشاركته في حفلات الفرح فوافاني بالمعلومات التالية:- شاركت حفلة عرس الحاج المضمد الياس طوبال أحمد وجرت مقابلة بيني وبين الفنان الراحل فخرالدين أركيج فابتدأت برباعية:-
                                      بابا كركر بير قيزدي
                                      كركوك أوسته يلدزدي
                                      آج كوزويي بنه باخ
                                      كيجه دوكو كوندوزدي
فلم يرد فحرالدين الجواب فأتيت برباعية أخرى:-
                                      بابا كركر بير قيزسه
                                      كركوك أوسته يلدوزسه
                                     من سنيو غايه يده يم
                                     كيجه كوندوز بيريسه
وكان فخرالدين أركيج صديق نوري أحمد مختار رحمه الله فسأله من هذا صاحب الشارب الطويل وهو يقصد قنبر عاشق الذي هجاني بهذه الرباعيات .
ذكر قنبر مشاركاته الأخرى منها عرس الأستاذ المرحوم كمال موسى علوش تلك المشاركة كانت بمعية الفنانين أكرم طوزلو وحسين عاشق .
كذلك من ضمن مشاركته في حفلة عرس لأحد أصدقائه في مدينة خانقين ويقول ألقيت رباعية تركمانية حينما لمحت فتاة جميلة مرتدية ثوب أبيض وهي تنزل من سطح الدار لتشارك في الحفلة:- 
                                بياز يري
                     بياز كير بياز يري
                    ئوره كيم قره لنيب
                    قالميوب بياز يري
في احدى الحفلات  بمدينة داقوق قال في حق امرأة حسناء :-
                               بياز دادي
                   ماوي كوز بياز دادي
                   أسمرده قره كوز وار
                   ماوي دقا بيازدادي
                    -----------------
                           دامدا كوله ر
                    أوتورميش دامدا كوله ر
                    أوغلانا زوال أولسا
                    قانلوسي دامدا كوله ر
                  ---------------------
 ومن أصدرات (قنبر عاشق) :- قصيدة غنائية أو أوبريت(قاين ننه)
                 ليليم يار ليليم ليليم ليل أولسون
                 هركيجه بويله أولسون
                  داووللا زرنا أولسون
                  --------------------
                 قاين ننه ديلله ري
                 ئولدوري كه لينلري
                 قاين ننه زالم أولي
                 كوزلري كه لينده أولو
                ---------------------
                حاوش سوبرور طوز أيله ر
                آلتان آلتان كوز أيله ر
                قاين ننه نه صوجو وار
                هر نيتسه كه لين أيله ر
                --------------------
               قه ررونين سه سي كلمه ز
               ياتار يوخوسو كلمه ز
               كوزو قابودا قالوب
               بكله ر أوغلو كلمه ز
              -----------------------
              قه رريليغ نه ده ن أولور
              كه لين ايوين كيزه ن أولور
              آختارور شيرين ديل بولماز
              جانوننان بيزار  أولور
              ------------------------
بدأت موهبة قنبر الغنائيه مطلع الخمسينيات القرن الماضي ويسبق الفنان أكرم طوزلو في الفن  وترك ساحة الفناء بعد زواجه مباشرة ولم يسجل له أي أغنية في دار الاذاعة هذا والى حكاية أخرى ولكم مني أطيب التحيات

إرسال تعليق

0 تعليقات