عراق

حكاية الأيام.. الحلقة الأولى بقلم : وجدي نيازالدين أكبر

(حكاية الأيام)   

بقلم :_  وجدي نيازالدين أكبر  


 الحلقة الاولى
التباهي هو سجية من سجايا نفسية الأنسان أكثر ما يكون بفاخر من كل شيء والمباهاة تختلف من شخص عن الآخر ومن صنف عن الآخر معاشر النساء دائما تتباهى بمصوغاتهن وفساتيهن وبيوتهن أما الرجال أول مايتباهى بعشيرته التي تؤيه ثم بمنصبه وبسيارته بينما الأقلام تتباهى بالعقول النيرة  من العلماء والفلاسفة والحكماء الذين تركوا بصمات في مختلف العلوم التي هي مصادر لخدمة البشرية ولرقي الأرض وأزدهارها  وأنا بكل تباه أدون في حكايتي هذه انها باكورة كتاباتي عن شخصية تركمانية وظف جل قابليته الذهنية  في خدمة بلده العراق عسكريا وأداريا واقتصاديا الا وهو فتاح باشا واليكم تفاصيل حياته

صورة فتاح باشا 



 هو فتاح بن سليمان من أبوين تركمانيين والده من قرية تسعين ووالدته من طوز خورماتو وهي عمة أكبر "ايلان كوز "من عشيرة "بيراقدار" مسقط رأسه تسعين من مواليد عام 1861م الموافق  لسنة1278ه تعلم القراءة والكتابة على يد الكتاتيب وهو من الطائفة العلوية والده سليمان كانت تربطه علاقة صداقة مع متصرف(محافظ) لواء كركوك حينذآك فطلب منه أن يدخل ابنه فتاح المدرسة الرشدية العسكرية ففهمه المتصرف ان قبول فتاح للمدرسة يتطلب منه أن يعتنق المذهب السني ففعل سليمان ذلك ودخل فتاح تلك المدرسة وتخرج منها وبعد ذلك سافر الى اسطنبول كذلك دخل المدرسة العسكرية في الجيش العثماني وتخرج ضابطا وتقدم في مناصب جيش الدولة العثمانية حتى نال رتبة أمير لواء  ما يدعى ب(باشا) ، من المناصب التي تقلد فتاح باشا وهي كالآتي:_
1_عين مديرا لمعامل النسيج العسكري في بغداد وأحيل الى التقاعد قبل نشوب الحرب العالمية الأولى عام1914م .

 

2_عين في الحكومة العراقية بداية تكوينها متصرف لواء أو المحافظ الأداري كركوك من عام(1921_1924)م ومنصب متصرف آنذاك بمثابة الوزيرفي الدولة في الوقت الحالي ، ومن أهم انجازاته اتفق مع زوج ابنته المهندس صالح أفندي عام1926م على بناء معمل لصناعة الأقمشة والبطانيات في الكاظمية وهو أول معمل في بغداد ولذلك سافر فتاح باشا وجلب لأول مرة مكائن صناعة النسيج والأقمشة الى بغداد وأقام أول معمل في وسط بستان في الكاظمية

معمل فتاح باشا

 ثم افتتح المعمل الملك فيصل الأول في حفل حضره أعيان البلد في مقدمة المشاريع الصناعية الأستثمارية في المملكة العراقية وفي عين الوقت يعتبر المعمل الوحيد المتخصص في الوطن العربي لصناعة السجاد والمفروشات الأرضية والبطانيات والأقمشة  بقياسات ونوعيات مميزة منتوجاته كانت تصدر الى دول الخليج العربي

بطانية من إنتاج معمل فتاح باشا 

 ، فتاح باشا شيد مسجدا للصلاة ملاصقا للمعمل سمي بجامع فتاح باشا وخصص وقفا لترميمه وادامته ، لم يتوقف فتاح باشا عن تقديم خدمات صناعية للبلد حيث أسس شركة المنصور الصناعية للنسيج التي قامت بانشاء مدينة المنصور الحالية في بغداد ، وفي عام 1935م  الموافق ل1354ه أسس صهره  المهندس صالح أفندي معملا للغزل والنسيج في محلة السفينة بالأعظمية ، كان فتاح باشا معروفا في أوساط المجتمع البغدادي محبا وساعيا للخير في شتى الميادين ولعائلته مجلسا في بغداد يعرف بمجلس فتاح باشا ولقد اشتهر بالتقوى والصلاح وترتبط أسرته بروابط المصاهرة مع الكثير من العوائل البغدادية المشهورة منها آل الباجه جي وآل الشابندر ، أولاده سموا بك هم:_سليمان بك ، نوري بك ، محمود بك والجدير بالذكر ان حفيده غسان نوري بك أعتبر من أمهرألأطباء الجراحيين في العالم ترقى في حينه الى منصب مدير مستشفى ابن الهيثم لطب العيون في بغداد ، أما تفاصيل حياة أولاده فأبدأ أولا بمحمود بك وهو أصغرأولاده سنا كان ضابطا في الجيش العراقي برتبة مقدم في بداية تأسيسه عام 1920م شارك محمود بك في ثورة العشرين في بغداد ضد الأنكليز  وعلى أثره صدر في حقه مذكرة القاء القبض عليه لكنه نجى من التوقيف عقب ماجاء الى طوز خورماتو وأختبأ في قصر علي أفندي مدير البلدية آنذاك حتى فرج الله عنه ، ثانيا نوري بك وهو ثاني أولاده من مواليد 1893م عمل ضابطا في الجيش العراق وهو خريج المدرسة الحربية اسطنبول شارك في الحركة الوطنية ونفي الى "جزيرة هنجام" ثم تولى ادارة معمل والده حتى تأميمه من قبل الحكومة العراقية عام1964م ترك العراق بعد ماغصب معملهم وقضي بقية أيام حياته في لبنان حتى وافته المنية عام 1976م يذكر انه كان رجل معطاء كان يوزع الف دينار في كل يوم جمعة من كل اسبوع على الفقراء والمعوزين في مسجد والده فتاح باشا وكان لايغادر المسجد الا بعد اتمامه توزيع ألف دينار والألف دينار آنذاك ما يعادل ثمن دارين في مدينتنا طوزخورماتو في عقد الأربعينيات والخمسينيات من القرن المنصرم ، 





اليك أيها القاريء العزيز هذه الصورة التذكارية تعود الى مطلع الخمسينيات من القرن الماضي وهي تجمع نوري بك مع أربعة من وجهاء طوزخورماتو الجالسون من يسار نوري بك هو أكبر محمد ايلان كوز أما من  يمينه  قنبر أفندي جايرلي  والد الحاكم وهبي قنبر جاير ، رشيد صادق والد المناضل شوقي جاير ،  مهدي علي أفندي والد الشهيد التركماني يشار مهدي .
ثالثا سليمان بك وهو الولد البكر لفتاح باشا من مواليد 1891م خريج مدرسة الحربية اسطنبول العسكرية خدم ضابطا في الجيش العراقي حتى وصل الى رتبة لواء حتى عام 1947م هو أب لتسع بنات قضى حياته هو ميسور الحال ويذكر انه كان يخصص يوما من كل اسبوع لأستقبال الضيوف والأحبة من مدينة طوز فيبقى في البيت حتى يودعهم جميعا ،  المهم ذكره ان فتاح باشا كانت تربطه صلة وثيقة بالسياسي العراقي الكبير نوري سعيد الذي تقلد عدة مرات منصب رئيس الوزراء في العهد الملكي لكونهما زملاء أيام دراستهما في الكلية العسكرية في تركيا كذلك كانا ضابطين خدما الجيش العثماني ببرهة من الزمن ولذلك فتاح باشا كان له اليد  البيضاء في حل اية معظلة لمحبيه التي تتطلب معالجتها داخل أروقة الحكومة العراقية وكان السند القوي لأهالينا في طوز خورماتو ، فتاح باشا عند قدومه الى طوز خورماتو في العقد الثلاثيني كان أكثر مجالسته مع علي أفندي مدير البلدية حينذاك وكانت الجلسات تقام في قصر علي افندي وفي كل جلسة كان يطلب حضور الفنان (طوبال رضا) قاريء المقامات المعروف في الساحة التركمانية آنذاك وكان يغني بصوته الرخيم ما شاء له من المقامات لكونه من المولعين لها والمجيدين في أدائها ، فتاح باشا من الموالين لأهل البيت عليهم السلام حيث خصص قصرا في منطقة الصابونجية في بغداد لأستقبال زوار الأمام الحسين (ع) حان مرورهم الى كربلاء المقدسة وكان يخدمهم في قصره حتى وافاه الأجل المحتوم عام1936م الموافق ل 13/شوال/1354ه ودفن في مقبرة خاصة بعائلته في جامع فتاح باشا في الكاظمية ، بقي أقوال ثم أناس أكتسبوا مهارة في بعض الأختصاصات خلال عملهم في المعمل كفنيين من أهالي طوز من أقارب فتاح باشا كل من عبدالخالق رشيد أفا كهربائي سيارات وشقيقه عبد الكريم رشيد آفا في الحدادة ، وأخيرا أختم مقالتي بهذا البيت الجميل للشاعر أبو العلاء المعري :_
كم أردنا ذاك الزمان بمدح       فشغلنا بذم هذا الزمان
                              هذا ولكم مني أطيب التحيات

إرسال تعليق

0 تعليقات