قراءة الناقدة الأديبة حبيبة محرزي
للمجموعة القصصية ( نافذة من ذاكرتي) للكاتبة شمم الجبوري.
مجموعة شمم الجبوري، هل هي صرخة في رحاب مجتمع متصدع ام هو وعي مفرط وتحذير من مصير مربك؟
"نافذة من ذاكرتي" مجموعة قصصية لشمم الجبوري..
عندما تضجّ كاتبة شابّة بواقع متردّ شغل فكرها والهاها عن كل ما هو عادي فاعلم ان في الامر خطبا وفي الاحداث لوثة تقتضي التوقف والالتفات والمراجعة لكل ما خرب "الواقع العربي " خاصة من تراكمات سلوكية او اجتماعية عقائدية وفكرية.
تصدمنا الكاتبة في "مقايضة ارواح" بعروس مضرجة الما يختلط كحلها بدموعها وتتعثر في ثوبها الاكبر منها لتخر بين يدي كهل "قاس، كبير، جاحظ العينين،" صفات تبعث الرعب في جو جنائزي بعيد كل البعد عن الزغاريد والعطور والبخور والافراح والطرب، الحقيقة الثابتة الوحيدة انّ المجتمع شحذ السكين وقطع الوريد تحت ثوب ليس له من البياض الا لونا سيصبغ بالسواد طيلة العمر. عندما يْتجنّب الثار ويُقايض بزواج آثم ضحيته طفلة بريئة فاعلم انك في مجتمع منافق يقايض الجريمة العفوية بجريمة اشد وافظع واقسى من كل جرائم الدنيا، جريمة اقسى من جريمة "قابيل وهابيل". هو سلوك أرعن لمجتمع يجد الحل في الانثى لانها الدائرة الاضعف في تركيبة مهترئة، قوامها اب واخ واهل قساة وزوج يتلذذ بتعذيب طفلة، ذنبها الوحيد انها اخت قاتل بالصدفة.
والكاتبة لم تغفل ما قد يطال المراة المثقفة من جخود الرجل الذي يهرب من الساحة بعد ان" زرع فسيلة حب في فؤادي.... قتلني رحيله..." كيف لحبيب ان ينسلخ من رابط حب سام راق كي يحقق اهدافه المادية دون اعتذار او اعلام او حتى كلام ليعود بعد سنين مضطربا مضرجا غدرا وخيانة.
اما في "لا يا ولدي" فالقصة تبدا بصرخة بصراخ باستفهام انكاري يعكس هول المصاب وجزع الكاتبة عندما تتمكن المخدرات من تخريب اوردة من ظنه الاب خليفته في الارض يصلح ما تهاوى منها في حياة اب كرس عمره لابنه، تلك هي معضلة الشباب التائه وراء الملذات لتعمد الكاتبة الى الاسترجاع والغوص في حياة الاب مقارنة بابن مدمن لا يعي مدى اجرامه في حق نفسه وحق والده... تلك هي صرخة الكاتبة على لسان اب يقف عاجزا ليفتح الامل بقبول الابن العلاج عله يرتقى الى مصاف الشباب العملي المستقيم لانه امن ب
انما الامم الاخلاق مابقيت
فانهم ذهبت اخلاقهم ذهبوا
بيدان الساردة وكمل واع مثقف ترثي لحال الكتاب المهمل في الرفوف والصحيفة الثائرة تبحث عن حرية تخلصها من مصير شببه بمصير الكتاب الذي صورته الكاتبة في وضعية مضطربة متازمة نتبجة الثورة الالكترونية التي قضمت الاوراق وخربت الدواوين والكتب والموسوعات. هي حرب ونزال ونزاع من اجل البقاء.
والمراة ليست الحبيبة فقط بل هي الام والتي تعني في المقام الاول التضحية،، ام تعاند العالم كله ففي سبيل حب وُلد قبيل خريف العمر لتعيش التوازن العاطفي العادي الذي حرمت منه ارملة تربي طفليها لكن هذه الارملة قهرتها دمعة ابنتها واحرقتها واحرقت كل امل في حياة عادية مع زوج تنهي معه العمر. انها الامومة وتلك هي المراة تحارب العالم من اجل قناعة ما لكنها تخر ضعيفة منقادة الى الوحدة امام دمعة واحدة من عين ابنتها لتلجم العاطفة ويتهاوى الحب والتوازن وحتى الحياة.. هي الام لتضج القصة بمعجم عاطفي نفسي متاجج.
"نافذة من ذاكرتي" هي القصة التي حمّلت المجموعة غوصها في الذاكرة ،عندما تصبح الساردة بطلة شاهدة على جريمة خزنتها الذاكرة بتشويش مقصود نعلم ان اللاوعي يظل مركزا مخزنا لما نعتقد ان السنين محته والزمن تجاوزه .. قصة فيها ادانة قوية لمجرم مازال يتحرك امامها ولا ندري الى اي حد سيصل ااوعي عندها للكشف عن هذه الجريمة ام ان نافذة اخرى في الذاكرة ايضا ستتكفل بقبر هذا الحدث في غياهب الماضي المظلم.
وان كانت شمم عاقلة متروية فقد استهواها عالم المجانين وما يجري فيه من فظاعات، فربما نحن هم المجانين. عالم بمعجم دموي عنيف تهده الذكربات الاليمة "صراخ، تخدش، المجرمين، تندب، لن اسامحه" هي وضعيات المتسبب فيها خارج الاسوار ممن يدعون العقل، فهو اما زوح متسلط او اب ظالم او اخ يريد ان يستحوذ على الميراث.. وضغيات لا يخلو منها مجتمعنا العربي.
أما انس ونار فهي قصة المعادلة الصعبة التي تكشف طغيان المادة عن القيم والسلوكات الحميدة لتجعل النهاية ماساوية حادة احتراق وموت نتيحة الإهمال والانغماس في الملذات.. وتلك هي المصيبة العظمى عندما يقترن الثراء بالفقر الاخلاقي القيمي تكون النتائج سوداوية ماساوية جدا.
مجموعة فتحت لنا كوّة صغيرة على ذاكرة تجولت في ارجائها الساردة و بشمعة فتيلتها كاوية محترقة وتبعناها متوجسين خائفين من معحم العنف والخوف والثواب والعقاب وهي بذلك تلفت النظر وتحذر المجتمع الغافل عن عواقب الثار والعنف والظلم والانحراف.. مجموعة تستفزّ الوعي الانساني وتهرش عادات وتقاليد وحقائق ليتنا نراجعها وبمقص حاد نجتث كل ما من شانه ان يزيد حياتنا ظلمة وتخلفا وتقهقرا.
0 تعليقات