عراق

شفيرة

 بقلم الكاتبة الناقدة أسيل أحمد أبو غثيث


"هذهِ شيفرَة بَيني وبَينِك".


كانَ عُنوانَ رِوايَتي التي تَخُصِك

كَتبتُها في وَصفِ التّوجُع

دَوّنتها بنَقشِ حُروفٍ انسَكبت اعتِصارًا من شِدّة لَوعةِ الفِراق.

أمّا موجَزها اختَصرته بمُوشّح!

" كنتُ كأيّ شابٍ في رَبيعي ألهو، وبشَكلٍ سَبهللِيٍ بينَ رُفوف عَيشي أتبَختَر.

في إحدى المَرّات، كُنتُ جالِسًا في كفتيريا الجامِعة بصُحبة قَهوتي

فاجَئتني بطيفٍ نَرجِسي بنَكهةِ البِنَفسج، صَرَخت بهَديرٍ ناعمٍ حادّ كلّفَني استِراق مِسمَعي منّي:

كَفاكَ مُسالَمة!

ألَن تَكُف عن ضَياعِك في أورِقَة (قَبّاني)،

وتأتِني مِنها بخاطِرة في وَصف نعناع أعيُني؟

حَسنًا، سأتجرّأ: نَبضي يَعصِ استِقرارهُ حينَ يَجِدك!

آمَل أن تحِل اللُّغزَ، وتُكرِمني بِرَدّك.

_تَلعثَمتُ بجَراءةِ جَمالها

لستُ أدري، أرَها من وَقاحةِ سَذاجَتي أم من لَمحةِ الشّمسِ في قَرنِيّة مُقلَتِها!

قَسمتُ نَذرًا ألّا أُجن إلّا بِها

وأعلَنتُ الخِصام في غَزل غَيرِها

لعَمري هاكَ أبجَديتي وعُنفَوانَ قَلبي يَترنّحُ لأجلِها!

_مرّت سَنة واحِدة على التِصاقِ تَعلّقي بِها

رُغمَ الذي لا يُحصى من شَقاوَتِها باختِلاقِ الخِلافِ بَينَنا، إلّا أنّني لَستُ أذكُر سِوى الحُلوَ من طَيفِها.

بَيني وبينِك لسَتُ أثِق تمامًا بتَذكُرِك كَم الذي عُدّ لَنا

فإنّه بَلغَ خَمسمِئة وخَمسةَ عَشر يومٍ ولَيلة، أي سَنة!

سأتحوّل من مُتيّمٍ بالفُصحى إلى مُعلمٍ بالجَبرِ والحِساب

فلتأخُذيني على سِعَة عَقلي هذهِ المَرّة

خَمسمِئة وخَمسةُ عَشرَ يومٍ، سَلبتِني منهم مِئة وخَمسةٌ وسِتّون يومٍ بقرارِ هَجركِ الأبدِي لي!

جَلستُ طيلَتهم أُواسي سيجارَتي وأُداوي أيسَري!

وفَوقهم خَمسون يومٍ بلَياليهم هَجَرتْني سُدى من شِدّة غِلظَتكِ مَعي

والثّلاثةُ مِئة المُتبقّية؛ نُقطَتان تَزحزَحت ضَجرًا للخَلف، أي أصبَحت بِلا قيمة أبدًا.

بقِيَت ثَلاثة أنا، أنتِ وخَيبَتي

إن كُنتِ لَم ترمِ الكِتاب بَعد ولا زِلت بينَ أحرُفي تقنُطي!

وإن لا زلتِ مُنهمِكة بالحِساب مَعي!

تمَعّني بالصّفحة رقم مِئة وخَمسة عَشر،

فلنَضع حاجِزًا بين آخرِ رقَمين

_1/15_

عيد ميلادِك!

لَم أطِل التّفكير هذه المَرّة للتّجهزِ لمَولدِك،

لَم أُرهِق أنامِلي حتّى بتَجهيزِ أُمسِيةٍ لبَسطِ ذِراعيّ مِلثمِك.

هذا هُو كَفنكِ في قَلبي وبقَلمي!

أو أنّكِ لَم تُخلَقي من الأساس وهذا المُكان فارِغًا، جُهّز لَكي في دارِ الفَناء وأنتِ أصلًا لَم تأتِ!

بَقِي اثنان من الثّلاثة، أنا وخَيبتي

تمَعّني بالصّفحة الثانِية من الرّوايةِ لُطفًا!

بل رُغمًا عَنكِ!

أوّلُ كَلِمة.. لا تَتعجّلي وتَهجّأي: أكرهِك!


سآخذُ بعينِ التّخيلِ أنّ هذه الرّواية خُرافة كَتبتها في طُرفةِ فِصامٍ منّي

وومضةُ هِيامي فيلم هوليوود انسجمتُ بدورِ البَطل وانهمكتُ بمَشاهِده، ليسَ إلّا!

لَم يبقَ شيئًا من الخَمسمِئة وخَمسةُ عَشر بحوزَتي

حتى تلكَ الليلة التي بحُذوِها!

انقَضت وذَهبت بالبُكاء والعَويل فورَ ما رَحلتِ!

فَوق هذا!

عِشريني أصبَحت صِفرًا!

وهاكَ الصّفرُ أصبحَ سالبًا يا إلهي!

كُل هذا منّي أخذتِ؟

تَقمّستُ دور الأب وكُنتُ أغفلُ بَل أتغاضى عن شَقاوتِك

وكُل مرّةٍ كُنتِ تُقرّري بِها هَجري!

لكن باتَت تُوجّعني شَقاوتِك يا صَغيرتي

حتى أنّها أصابَت هذهِ المَرّة

وكانَت القاضِية!

وقضَت بمَوتي.

إنّي الآنَ بعُمرِ الصّفر يَنقُصه أربَعة سَنوات، لا زِلتُ أنا وقَهوتي لكن بلا روحي، وفَوقها تلَوّن رَأسي بلونِ كَفنِك!

رُغم عزّ شَبابي!

آخر شيفرَة تَأمَلين بمَعرِفتها!

كيفَ السّنة في حِساباتي -خَمسمِئة وخَمسةُ عَشر- يَوم!

أنتِ لَم تَعرِفين أنّي بقيتُ سَنةً أُشفى من شَيءٍ اسمُه أنتِ!

هذا مُجرّد موجَزًا، ولَكي حقّ الخَيار إن كُنتِ بمُطالَعة خَيبَتي منكِ، تَأمَلي!

.."


للهِ دُرّك..

حتّى في سَردِ وَصفِك قِصّةً، أتعَبتِني!

أسيل أحمد أبو غثيث



إرسال تعليق

0 تعليقات